السوال:
هل ورد فی الأناجیل بشارة المسیح بالنبی(صلى الله علیه وآله) کما ورد فی القرآن وأنّ اسمه «أحمد»؟
الجواب:
الآیة الشریفة الواردة فی القرآن بهذا الشأن (... وَمُبَشِّراً بِرَسُول یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَیِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِینٌ)(1).
یقول المحققون إنّ هذه البشارة وردت فی انجیل یوحنا فی الأبواب 14 و15 و16 وقد أخبر المسیح عن انجیل «یوحنّ» بمجیئ شخص من بعده یدعى «فارقلیط» وتفید أغلب القرائن أنّ المراد به نبی الإسلام، ونرانا مضطرین لتوضیح المطلب بذکر بعض النصوص المذکورة فی بعض الأناجیل:
«إن کنتم تحبوننی فالتزموا بأحکامی وسأطلب من الأب أن یبعث لکم فارقلیط آخر وسیبقى معکم إلى الأبد. أنّه روح الحق والصدق وسوف لن یصدقه العالم، لأنّهم لا یرونه ولا یعرفونه، لکنه یعرفکم، لأنّه سیبقى معکم وبینکم»(2).
«لقد قلت لکم هذا الکلام حین کنت معکم، إلاّ أنّ ذلک فارقلیط الذی سیبعثه الأب بأسمی، سیعلمکم کل شیء وسیذکرکم بکل ما قلته لکم»(3).
«لقد أخبرتکم به قبل ظهوره لتؤمنوا به حین ظهوره»(4).
«سابعث لکم من جانب الأب ذلک الفرقلیط وسیشهد لی فهو روح الصدق»(5).
«أقول بحق من المفید لکم أن أذهب ولو لم أذهب فإنّ ذلک «الفارقلیط» سوف لن یأتیکم، فإن ذهبت سأبعثه لکم، فإن جاء سیلزم العالمین بالذنب والصدق والإنصاف: بالذنب لأنّهم لا یؤمنون بی، وبالصدق لأنّی أذهب إلى أبی، وسوف لن تروننی، وبالإنصاف لأنّ الحکم سیجرى على رئیس هذا العالم، وسیکون لدی الکثیر لأقول، لکنکم لا تستطیعون تحمل ذلک الآن، لکنّه إن جاء سیرشدکم إلى الحقیقة لأنّه لا ینطق عن نفسه، بل سیتکلم بکل ما یسمع. وسینبئکم عن المستقبل وسیثنی علیَّ، لأنّه سیجزیکم بکل ما یجده منی. کلما کان من الأب فهو منی ولذلک قلت لکم سیجزیکم بکل ما یأخذه منی».(6)
ولدینا هنا قرائن واضحة فی أنّ المراد من «فارقلیط هو النبی محمد» الذی یأتی بعد المسیح لا روح القدس:
1 ـ لابدّ من الألتفات أولاً إلى أنّ المستفاد من بعض التواریخ المسیحیة أنّه کان من المسلّم بین مفسّری الإنجیل قبل انبثاق الدعوة أنّ فارقلیط هو النبی الموعود، حتى استغله البعض وزعم أنّه الفارقلیط الموعود. مثلاً: «منتسر» المرتاض الذی عاش فی القرن المیلادی الثانی، ادّعى النبوة فی آسیا الصغرى عام 187 وقال: أنا فارقلیط الذی بشر به عیسى ویتبعه الناس(7).
2 ـ یستفاد من الآثار والتواریخ الإسلامیة المعتبرة أنّ الزعامات السیاسیة والدینیة المسیحیة کافّة کانت تتطلع إلى أیّام بعثة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) إلى النبی الموعود الذی بشر به الإنجیل، ومن هنا لما قدم سفیر النبی وسلّم رسالته إلى ملک الحبشة، التفت إلى السفیر وقال: أشهد أنّه النبی الذی ینتظره أهل الکتاب، وکما أخبر موسى عن نبوّة المسیح، فقد بشر المسیح بنبی آخر الزمان وذکر علاماته(8).
وحین تسلم قیصر رسالة النبی، أجاب بأنّه کان یعلم بظهور نبی آخر الزمان، لکنّه ظن أنّه سیظهر من الشام...(9) فالذی یستفاد من هذه النصوص التاریخیة أنّهم کانوا ینتظرون نبیّاً، ولا شک فی أنّ هذا الانتظار یستند إلى الإنجیل.
3 ـ الخصائص التی ذکرها المسیح لـ «فارقلیط» والنتائج المترتبة على ظهوره، تفید بما لا یقبل الشک أنّ المراد به النبی الموعود، والتی تجعل من المتعذر تفسیره بروح القدس. وتوضیح ذلک:
أ) ابتدأ المسیح کلامه بالقول: «إن کنتم تحبوننی فالتزموا بأحکامی، وسأطلب من أبی لیبعث لکم فارقلیط آخر».
أولاً: أنّ تذکیر المسیح بحبّه یفید عدم استجابة أمّته لمن یبشر به بالمجیئ بعده، ولذلک یحاول من خلال إثارة عواطفهم دفعهم لطاعته، ولو کان المراد به روح القدس کما فسّره أصحاب الإنجیل لما احتاج هذه المقدمة. لأنّ روح القدس أن هبط فسوف یستحوذ على القلوب والأرواح بحیث لا یدع لأحد من مجال لإنکاره، أمّا إن کان هو النبی الموعود، فهنالک حاجة ماسة لهذه المقدمة; ذلک لأنّه لیس للنبی الموعود من سبیل فی التأثیر على القلوب سوى من خلال الوعظ والإرشاد، وعلى هذا الأساس تؤمن به طائفة وتکفر به طائفة أخرى. ولم یکتف المسیح بهذا، حیث قال فی الآیة 29 من الباب 14 (لقد أخبرتکم به قبل ظهوره لتؤمنوا به حین ظهوره)، فی حین لا یحتاج الإیمان بالروح القدس إلى الوصیة فضلاً عن هذا الکتاب.
ثانیاً: قال: «سیبعث لکم فارقلیط آخر» فإن فسّرناه بنبی آخر کان الکلام تاماً، أمّا إن قیل المراد به روح القدس، فلفظ «آخر» لا یخلو من تکلف، ذلک لأنّ روح القدس واحد ولا معنى للآخر.
ب) «سیذکرکم بکل ما قلته لکم» 26:14 وسیشهد لی (الباب 15، العبارة 26). قیل إنّ الروح القدس هبط على الحواریین بعد خمسین یوماً من صلب عیسى، فهل نسیت هذه الصفوة تعلیماته کافّة خلال هذه المدّة القصیرة لیعلمهم روح القدس تلک التعالیم ثانیة؟ وما حاجة حواریی المسیح لشهادته لیشهد على المسیح! أمّا إن کان المقصود به النبی الموعود فسیکون معنى العبارتین صحیحاً; ذلک لأنّ أمة المسیح نسیت أغلب تعالیمه بفعل تقادم الزمن والأیادی التی امتدت إلى الإنجیل، لقد جاء محمد(صلى الله علیه وآله) بکل تلک التعالیم وشهد بنبوّة عیسى(علیه السلام) وقال: کان نبیّاً مثلی وبرأ أمّه ممّا وجه إلیها من التهم وبرأ عیسى من دعوى الالوهیة.
ج) «لو لم أذهب فإنّ ذلک الفارقلیط سوف لن یأتیکم» (7:15) فقد اشترط مجیئ فارقلیط بذهابه، فإن کان المراد روح القدس فإن نزوله علیه وعلى الحواریین لم یکن مشروطاً بذهابه; لأنّ المسیحیین یعتقدون بإن الروح القدس نزل على الحواریین الذین وجههم المسیح للوعظ(10).
وعلیه فإنّ نزوله لم یکن مشروطاً بذهابه قط; أمّا إن قیل إنّ المراد به نبی صاحب شریعة ـ وشریعة عالمیة ـ فإنّ مجیئه سیکون مشروطاً بذهاب المسیح ونسخ شریعته.
د) وردت أمور ثلاثة أثر نزول «فارقلیط» هی: (أنّه یلزم(11) العالم بالذنب والصدق والإنصاف; بالذنب لأنّهم لا یؤمنون بی) (8:16). وتعلم على ضوء عقیدة المسیحیین أنّ «روح القدس» نزل على الحواریین بعد 50 یوماً من صلب عیسى وأنّه لم یلزمهم قط بالذنب والصدق والإنصاف، ویستفاد من ذیل الآیة أنّه ینزل على المنکرین لا الحواریین الذین لا یکذبون المسیح قط. لکن إن قلنا إنّ المراد نبی الإسلام الموعود، فإنّ کل هذه الخصائص مجتمعة فیه.
هـ ) «سیشهد فارقلیط لی ـالمسیح » (26:15).
«سیخبرکم بالمستقبل وسیثنی علی» (13:16).
فالشهادة للمسیح تکشف أنّه لیس الروح القدس، لأ، الحواریین لیسوا بحاجة لتصدیقه، کما أنّ المراد من أنّه سیمنحه الجلال، فهو المدح والثناء من النبی الموعود للمسیح وإکماله شریعته، فأی جلال أعظم من هذا.
ولعل تأمل هذه القرائن یرشدنا إلى الحقیقة التی توصل إلیها محققو الإسلام، طبعاً لا تقتصر القرائن على ما ذکر، وهنالک الکثیر.
وفی الختام ننقل موضوعاً أوردته الموسوعة الفرنسیة الکبرى: ج23 صـ 4174 بهذا الشأن حیث جاء فیها:
«محمد مؤسس الدین الإسلامی ورسول الله وخاتم النبیین; وکلمة محمد تعنی کثیر الحمد ومن مادة حمد بمعنى التجلیل والتحمید. والاسم الآخر المشتق من مادة حمد هو أحمد والذی یحتمل أنّ مسیحیی الحجاز استعملوه بحق فارقلیط. وهکذا ذهب المفکرون الإسلامیون إلى أنّ المراد من ذلک اللفظ البشارة بظهور نبی الإسلام. وقد أشار القرآن فی سورة الصف صراحة إلى هذا الموضوع»(12).
إستعنا فی هذا الموضوع بالکتاب القیم «أنیس الأعلام » تألیف فخر الإسلام.
1. سورة الصف، الآیة 6.
2. انجیل یوحنا، الباب 17، 16، 15، 14، الذی طبع عام 1837م فی لندن کما نقلنا سائر العبارات من هذه الطبعة، وطبقناها مع التراجم الأخرى بغیة حصول الإطمئنان.
3. المصدر السابق، الباب 14، 25 ـ 26.
4. المصدر السابق، الباب 14، 29.
5. المصدر السابق، الباب 15، 26.
6. المصدر السابق، الباب 16، 7 - 15.
7. أنیس الأعلام، ج 2، ص 179، نقلاً عن تاریخ «لیم میور» الذی، طبع عام 1848.
8. الطبقات الکبرى لأبن سعد، ج 1، ص 259; وسیرة الحلبی، ج 3، ص 279.
9. الکامل فی التأریخ، ج 2، ص 44.
10. انجیل متى، الباب 10، 29; ولوقا، الباب 10، 17.
11. وردت فی اغلب الأناجیل القدیمة توبیخ بدل یلزم والعبارة الثانیة اوضح وانسب; فبعض المفسرین والکتاب المسیحیین حین یصلون هذه العبارة ویرون انها لاتنطبق على الروح القدس، یزعمون بکل ذهول أنّ المراد من رئیس العالم هو الشیطان الذی یلزم الناس بالذنب والشاهد على ذلک أنّ المسیح قال فی الآیة 30، سوف یأتی رئیس العالم ولیس له من سبیل إلى، ای لایستطیع التغلب على المسیح. فهذا التفسیر لا یعدو کونه فکرة شیطانیة; لأنه لو افترضنا أنّ رئیس العالم سیلزم العالمین بالذنب فکیف سیلزمهم بالصدق والإنصاف؟
12. محمد خاتم الأنبیاء، ج 1، ص 504.
