56-هل ینبغی التحقیق فی المسائل الدینیة أم التقلید؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
اجوبة المسائل الشرعیّة
55-بلوغ البنین والبنات57-الولایة والبراءة

السؤال:

هنالک بعض الأفراد الذین ینکرون مسألة «التقلید» فی الأحکام ویزعمون أن وظیفة الجمیع التحقیق فی المسائل الشرعیة، ویستقون الأحکام قاطبة من القرآن وسائر المصادر الإسلامیة للأسباب التالیة:

أولاً: یشجب القرآن أنواع التقلید کافّة وینتقد باستمرار التقلید الأعمى.

ثانیاً: التقلید نوع اتباع دون دلیل والعقل والمنطق یرفض التقلید الذی یفتقر إلى الدلیل.

ثالثاً: التقلید أساس تفرقة صفوف المسلمین، فالمراجع متعددون وآراؤهم مختلفة.

الجواب:

إننا نعتقد بأنّ أصل کل هذه الإیرادات یعود إلى شیء واحد وهو: أنّ لمفردة التقلید معنیین; معنى اعتیادى یفهم فی العرف العام ویستعمل فیه لفظ التقلید فی الحوارات الیومیة، ومعنى علمی یبحث أیّة علاقة بالمعنى الأول.

توضیح ذلک: یصطلح بالتقلید فی الحوارات الیومیة على الأفعال الطائشة التی یتبع فیها بعض الأفراد غیرهم دون الاستناد إلى أی دلیل. وبالطبع فإنّ هذه التبعیة العمیاء لهؤلاء الأفراد الجهال لنظرائهم الجهال من الآخرین عمل مذموم وقبیح لا ینسجم مع المنطق ولا مع روح التعالیم الإسلامیة; ولیس هنالک من عاقل ذی شخصیة وفکر مستعد لتقلید هذا وذاک تقلیداً أعمى فیأتی بکل فعل مشین یأتی به الآخرون.

وهذا هو التقلید الذی تشبث به الوثنیون لتبریر أعمالهم وکانوا یزعمون: أنّ الوثنیة دین آبائنا ولسنا مستعدین لمخالفتهم. وقد ذکر القرآن منطقهم بهذه الآیة فقال: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(1) فهؤلاء یحتجون على أعمالهم الطائشة (السجود للحجر والخشب) بأعمال آبائهم فیقلدون تقلیداً أعمى معتقداتهم الخرافیة.

وهذا هو التقلید الذی یکون مصدراً لمضاعفة حجم المفاسد الاجتماعیة والأدناس والانغماس فی الشهوات، وهو ذات التقلید الذی أشیر له فی شعر المولوی. وکما قلنا فإنّ هذا هو المعنى الذی استندت إلیه حملات الجهال کافّة على مسألة التقلید. إلاّ أنّ للتقلید فی الاصطلاح العلمی مفهوم مغایر تماماً لهذا المفهوم، ویمکن تعریفه «برجوع الأفراد غیر المتخصصین إلى ذوى الاختصاص فی القضایا الاختصاصیة»; أی رجوع الأفراد فی المسائل العلمیة کافّة التی تتطلب بعض التخصصات ویتوقف إدراکها على المطالعات والدراسات التی تستغرق سنوات إلى العلماء والمفکرین الموثوقین ـ حین الحاجة ـ والاستفادة من أفکارهم. والتقلید بهذا المعنى والذی أشیر له فی المصادر العلمیة والذی یعبر عنه أحیاناً برجوع غیر العالم إلى العالم هو أساس الحیاة البشریة فی المجالات الصناعیة والزراعیة والطبیة کافّة وأمثال ذلک.

ولو زال هذا الموضوع من الحیاة البشریة; لما رجع أی مریض إلى طبیب وإنسان إلى معمار وشخص إلى حقوقی فی القضایا الحقوقیة، کما لا یرجع أی فرد إلى خبیر ومیکانیکی واختصاص فی سائر المجالات، ولانهارت الحیاة الاجتماعیة برمتها وظهر الفساد فی المستویات کافّة. والقضایا الدینیة لیست بدعاً من ذلک; طبعاً الأفراد کافّة موظفون بالتحقیق فی الاصول العقائدیة ـ أی معرفة الله والنبی والإمام والمعاد ـ ولا یبدو هذا التحقیق صعباً ومعقداً، ویستطیع کل فرد التعرف على هذه الأصول على ضوء الدلیل والمنطق المناسب لفهمه وإدراکه، بینما یتعذر التخصص على الأفراد والاستفادة من المصادر الدینیة ـ القرآن والحدیث والدلیل والعقل والإجماع ـ للتوصل للأحکام فی المسائل المرتبطة بالأحکام الإسلامیة فی باب العبادات والمعاملات والسیاسات الإسلامیة، والأحکام المتعلقة بالفرد والأسرة والمجتمع والصلاة والصوم والجهاد والدیات والحدود والقصاص والزواج والطلاق والآف المسائل المختلفة والمرتبطة بجوانب حیاة الناس.

وعلیه فهم مضطرون للرجوع فی هذه المسائل إلى العلماء والمراجع المعتمدین; العلماء الذین جدّوا لسنوات فی المسائل الإسلامیة ولهم معرفة تامة بالکتاب والسنة والأخبار والروایات. وعلى هذا الضوء یتضح بجلاء أنّ هذا الرجوع لیس من قبیل التبعیة دون دلیل، بل هذا الاتباع یستبطن الدلیل العقلی والنقلی وهو أنّ نظریة الشخص العالم والمتخصص ألصق بالحقیقة ولا یجانبها قط، ولو أخطأ لکان خطأه محدوداً، بینما لا یکون رصید أعمال الجاهل الذی یتصرف وفق رأیه ومعتقده سوى الزلل والخطأ. مثلا، لو رجع الشخص حین مرضه إلى الطبیب وکتب له الوصفة، فربّما یخطىء الطبیب، إلاّ أنّ المفروغ منه أنّ أخطاءه طفیفة جدّاً بالنسبة للنتائج التی یحصل علیها من وصفته، طبعاً المراد الطبیب الماهر والمتخصص، ولکن لو تحفظ المریض عن الرجوع إلى الطبیب، وتناول ما یشاء من دواء حسب رغبته وفکره، فمما لا شک فیه یکون قد اقترف عملا غایة فی الخطورة، وما أکثر ما یؤدّی به هذا الأمر إلى الوفاة.

النتیجة: تبعیة غیر العالم للعالم تنطوی دائماً على دلیل إجمالی ومنطقی. ومسلّم أیضاً أنّ هذا التقلید والاتباع لا یدلّ على أی مثلبة فی شخصیة الإنسان، بل بالعکس دلیل على شخصیته، لأننا نعلم بأنّ دائرة العلم على قدر من السعة بحیث هنالک عشرات وأحیاناً مئات الفروع التخصیصة فی علم معین، ولو کان للإنسان عمر نوح وعقل ابن سینا فلا یسعه قط التخصص فی واحد بالمئة من هذه العلوم. وعلیه فلا مناص له من الرجوع إلى الآخرین فی

غیر اختصاصاته. فیرجع المهندس مثلا حین یمرض إلى زمیله الطبیب، والطبیب إلى زمیله المهندس إن أراد بناء دار، کما یعود الاثنان إن حدث عطل فی سیارتیهما إلى المیکانیکی، کما یرجع الجمیع فی الأحکام الإسلامیة التی یجهلونها إلى علماء الدین.

نعم بقی هنا ما یقال: ما الضیر فی أن یرجع الإنسان إلى العلماء فی المسائل التی یحتاجها ویسألهم عن دلیل کل مسألة. إلاّ أنّ ذلک کمن یقول: ما المانع فی أن یسأل الإنسان الطبیب حین یراجعه ویکتب له وصفة بالدواء عن دلیل کل فقرة فیه و کیفیة استعماله، فهل یمکن أن یقدم الأطباء للناس أدلة وصفاتهم، ولو فرض قیامهم بمثل هذا العمل، فهل یسع الشخص الذی لا یدرک علم التشریح والفسلجة وخواص الأدویة أن یفهم من الطبیب معنى هذه الاصطلاحات ویقوم بمعالجة نفسه.

فإنّ المتفوهون بهذه الکلمات لا یدرک أصلا سعة العلوم الإسلامیة; ولا یعلم هذا بأنّ الوقوف على جمیع جزئیات القرآن وعشرات الآف من الحدیث ودراسة الرجال فی سلسلة سند الأحادیث وتمییز صحیحها من سقیمها وغثها من سمینها وفهم لطائف الآیات والسنة یتطلب عدّة سنوات لیبلغ الشخص درجة التخصص فی هذه المسائل.

فقد یتطلب فهم بعض الأحکام الإسلامیة المرتبطة مثلا بالزواج والطلاق وحق الحضانة وتربیة الأطفال وأمثال ذلک الاستغراق فی عدّة آیات وعشرات الأحادیث وتأمل رجال سند الحدیث من خلال کتب الرجال والرجوع إلى مختلف المصادر اللغویة بشأن بعض المفردات والوقوف على استعمالاتها فی العربیة. فهل یسع جمیع الأفراد الوقوف على کل هذه التفاصیل فی الموارد المتعلقة بالمسائل الإسلامیة کافّة؟ أوَلا یعنى هذا الکلام تخلی الناس عن أعمالهم والتحول إلى طلبة للعلوم الدینیة؟ ولا یعلم بالطبع ما إذا کان جمیع الأفراد مستعدین لبلوغ الاجتهاد وقریحة استنباط الأحکام الشرعیة، ولربّما کان لهم استعدادات أخرى.

أمّا ما یقال من أنّ الرجوع إلى مراجع الدین مدعاة للاختلاف فهذا من العجب العجاب.

أولاً: مراجع التقلید فی کل عصر شخص أو شخصان غالباً، بینما لو أراد جمیع الأفراد ابداء آرائهم فی الأحکام الإسلامیة لتعددت هذه الآراء حسب عدد المسلمین، وأثر ذلک لا یخفى فی الاختلاف والتفرقة.

ثانیاً: اختلاف المراجع فی المسائل ذات الدرجة الثالثة والرابعة، ولا اختلاف فی المسائل الأصولیة والأساسیة، ومن هنا نلاحظ اصطفاف جمیع الأفراد الذین یختلفون فی تقلیدهم فی صلاة الجماعة فی صف واحد ولا أن یحول اختلاف الإفتاء فی المسائل الجزئیة دون انسجامهم فی الجماعة، أو أنّهم یحجون جمیعاً ویأتون بمناسک الحج فی أیّام معینة دون أن یؤدّی اختلاف الفتوى إلى أیّة مشکلة حتى بالنسبة لأفراد قافلة. کل ذلک یشیر إلى أنّ اختلاف الفتوى فی المسائل لا یمس بوحدة المسلمین.


1. سورة الزخرف، الآیة 23.

 

55-بلوغ البنین والبنات57-الولایة والبراءة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma