السؤال:
هل ما یعتقده علماء الفلک بأنّ الأرض کرویة وتدور حول نفسها بسرعة، حقیقة علمیة أم فرضیة؟ وعلى فرض حرکتها فما آثارها العلمیة والحسیة؟ ولم یشاهد کوکب الجدی الذی یعین القبلة فی موضع واحد؟ وهل فی القرآن والروایات ما یؤید هذا الموضوع؟
الجواب:
تعتبر کرویة الأرض وحرکتها من القضایا العلمیة المسلمة الیوم فقد أورد العلماء عدّة أدلة على ذلک، ولعل أوضح الأدلة «استدلال باندول» فلو علق جسم ثقیل بحبل فی نقطة مرتفعة وحرک لاستمر مدّة فی حرکته; ولو کانت الأرض ساکنة لانبغى تردد ذلک الجسم على خط معین، بینما دلّت التجربة على أنّ حرکته لن تکون مستقیمة على خط معین وینحرف أکثر تدریجیاً عن الخط الأول.
فأثبتت هذه التجربة أنّ للأرض حرکة دائمیة من جهة معینة إلى أخرى. ویمکن تعیین جهة هذه الحرکة من جهة الغرب إلى الشرق على تلک الخطوط (یمکن الوقوف على تفاصیل هذا الدلیل من خلال مختلف الصور فی کتب الهیئة). کما أکّدت التجربة: لو قذف بحجر من نقطة مرتفعة فانّه لا یسقط على خط مستقیم على الأرض، بل یتجه فی سقوطه قلیلا إلى المغرب وهذا یدل على حرکة الأرض الدورانیة من الغرب إلى الشرق.
أمّا رؤیتنا «الجدی» دائماً فی موضع واحد فذلک لأنّ هذا الکوکب یقع تقریباً مقابل محور الأرض. ومن البدیهی لو أدَرنا کرة حول محور (کان نغرز أُبرة وسط تفاحة وندیرها حول تلک الأُبرة) لرأینا أنّ نقطة المحور ثابتة دائماً، ومن هنا یبدو کوکب الجدی القطبی ثابت دائماً.
وأمّا بشأن وضع الأرض فی النقطة المقابلة لنا (فی القسم الذی تحت الأرض) فلابدّ من الإلتفات إلى أنّ الأرض کونها کرویة فإننا نرى وضعاً متساویاً أینما ذهبنا، أی سنرى النقطة التی فوقنا سماءً والتی تحت أرجلنا أرضاً، والجاذبیة تحفظنا على الأرض فی کل مکان. طبعاً أغلب الکواکب الواقعة فی نصف الکرة الأرضی الجنوبی ترى، بینما تتعذر رؤیتها فی النصف الشمالی وبالعکس; وهکذا السیارات ترى أحیاناً فی نقطة من الأرض واحیاناً أخرى فی نقطة أخرى!
وأمّا الآیات والأخبار التی تدعم نظریة حرکة الأرض فمنها:
1 ـ (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِی أَتْقَنَ کُلَّ شَیْء إِنَّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)(1) ویتصور أحیاناً أنّ الآیة متعلقة بأوضاع القیامة فی أنّ الإنسان سیرى الجبال یوم القیامة هکذا، إلاّ أنّ العبارة (صُنْعَ اللهِ الَّذِی أَتْقَنَ کُلَّ شَیْء)تفند ذلک، فهی لا تتناسب مع یوم القیامة; یوم تغیر المنظومة الشمسیة لا یوم اتقان الخلق، وبعبارة أوضح: أن ذیل الآیة الذی یتحدث عن اتقان الصنع أنسب لاستحکام النظام لا للانقلاب. فظاهر الآیة یشیر إلى حرکة الجبال وإن بدت لنا ساکنة وعدیمة الحرکة. وربّما یقال لم تحدث القرآن عن حرکة الجبال دون الأرض، والحال حرکة الجبال تابعة لحرکة الأرض.
قلنا: إنّ کل جسم کروی یدور حول نفسه إنّما تلمس هذه الحرکة من خلال ما علیه من نقوش وألوان، إضافة إلى أنّ الجبل مظهر عظمة ومن هنا ذکر دون الأرض، وإلاّ لا معنى لحرکة الجبال دون حرکة الأرض. والطریف استعمال لفظ الجمود بدل السکون الأعمق فی بیان فکرة سکون الأرض المتوهمة من قبل الإنسان. وعلّة تشبیه الله لحرکة الجبال بحرکة السحاب أنّ حرکة الأرض هادئة وصافیة وفی نفس الوقت سریعة کحرکة السحاب!
2 ـ (الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الاَْرْضَ مَهْداً...)(2) فالقرآن الکریم یشبّه الأرض بالمهد، ولعل أحد جهات الشبه أنّ للأرض حرکة دورانیة على غرار حرکة المهد(3).
1. سورة النمل، الآیة 88.
2. سورة طة، الآیة 53.
3. للوقوفف على الروایات الإسلامیة بهذا الخصوص راجع کتاب الإسلام والهیئة، ص 191 ـ 200 .
