السوال:

أحد آثار الصلاة على ضوء القرآن أنّها تصدّ الإنسان عن المعاصی حیث قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ)(1) مع ذلک یلاحظ أغلب المصلین الذین یقارفون الفحشاء ولم تؤثر الصلاة على أقوالهم وأفعالهم، فکیف تفسرون الآیة؟

الجواب:

لابدّ من الإلتفات إلى أنّ العامل الأساسی الذی یصدّ الإنسان عن الفاحشة والمنکر هو الإیمان وذکر الله. فالإنسان الغافل لا یفکر فی عاقبة أفعاله ولا یرى من حدود لارضاء رغباته وغرائزه.

وبالعکس فإنّ الذکر یحول دون طغیاننا وانتهاکنا للحدود، فالله یعلم بکل صغیرة وکبیرة تصدر منّا. فذکر الله هو العامل الطبیعی والفاعل الذی یسیطر على غرائزنا وتطلعاتنا اللامشروعة، وهکذا ذکر مقام أولیاء الله والعقاب والثواب. فالقرآن الکریم یصف أولیاء الله بالقول: (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِیتَاءِ الزَّکَاةِ)(2)وبالطبع فإنّ الغفلة عن الله توجب ظلمة العقل والوجدان.

قال أمیر المؤمنین(علیه السلام) بشأن الذکر: «إنّ الله جعل الذکر جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة وتبصر به بعد العشوة وتنقاد به بعد المعاندة»(3). فالإمام(علیه السلام) یعتبر الغفلة نوعاً من صمم القلوب وعمادها والتی توجب معاداة الإنسان للحق وتمرده علیه، بینما یرى الذکر نور البصیرة ووعی القلوب الذی یکبح الغریزة ویصدها عن الطغیان.

وبناءً على هذا فإنّ الغافل عن الله وثوابه وعقابه کالأعمى والأصم الذی یرکب الفرس، فمما لا شک فیه أنّ الفرس سیرمی به وسط الودیان والمتاهات، أمّا أصحاب الذکر فهم یرون نتائج أعمالهم فیستمعون الحق ویجانبون الباطل. وقد أوصى الإمام الباقر(علیه السلام) أحد أصحابه فقال: «ذکر الله على کل حال وهو أن یذکر الله عند المعصیة یهم بها فیحول ذکر الله بینه وبین المعصیة»(4).

وقال الأصبغ بن نباتة قال أمیر المؤمنین علی(علیه السلام): «أذکر الله فی موضعین، عند المصیبة وعند المعصیة فإنّ ذکر الله یحول بین الإنسان وبین المعصیة».

طبعا ذکر الله على درجات، فأحیاناً یبلغ الذکر مرحلة یحصن الإنسان من کل معصیة فیصبح ارتکاب الذنب محالاً عادیاً، ویتصف هؤلاء الأفراد بقلوب واعیة ونفوس طیبة وبصائر عالیة وآذان صاغیة وأرواح طائعة، ولعل أغلب الناس یحرزون متوسط الذکر، فمثلاً هنالک بعض الأفراد الذین یرتکبون بعض المعاصی لکنهم لا یسفکون دماً أو یأکلون مال یتیم أو ینتهکون عرض أحد; لأنهم یعلمون عذاب الله الألیم على هذه المعاصی فلدیهم مقاومة لمثل هذه المعاصی. وأحیاناً یکون ذکر الله على درجة من الضعف بحیث لا یحجز الإنسان عن کثیر من المعاصی. حیث یکون الذکر مجرّد أرضیة لترک الذنب، إلاّ أنّها سرعان ما تزول بفعل بعض العوامل القویة.

الصلاة وسیلة الذکر:

إنّ أحد أسرار الصلاة أنّها تذکر الإنسان بالله، وهذا ما صرّح به القرآن الکریم حین قال (وأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِکرِی)(5). طبعا لما کانت الصلاة عبادة ولابدّ من الإتیان بها بقصد القربة فهی توجب ذکر الله. وبغض النظر عن ذلک فإنّ المصلی یتلفظ بأذکار کلها تدعو إلى ذکر الله; فمثلاً نقرأ سورة الفاتحة فی الصلاة التی تتضمن حمد الله وبیان صفاته وأفعاله، ومن ثم طلبات عباده، وسائر أذکار الصلاة على هذا المنوال. والأثر الذی تترکه الصلاة فی أرواحنا وقلوبنا هو تقویة روح الإیمان والتوجه إلى الله، ولهذا التوجه بالطبع درجات وهو لا یعدو أکثر من أرضیة لدى الأفراد الذین لا یتورعون عن الذنوب ولیس علّة تامة.

بعبارة أخرى مراد القرآن من قوله: (إِنَّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنکَرِ)(6) لیس عصمة جمیع المصلین من الفاحشة، بل المراد أنّ الصلاة توجب ذکر الله والتوجه إلى مقام الربوبیة والأثر الطبیعی لمثل هذا التوجه حث الإنسان على الطاعة وترک المعصیة، ولکن ربّما کانت هنالک بعض العوامل التی تقضی على ذلک الأثر بسبب ضعف التوجه إلى الله.(7)والخلاصة لو کانت الصلاة صلاة حقیقیة لحالت دون الفواحش والمنکرات، وکلّما کانت الصلاة أکمل کان تأثیرها أعظم.

وناهیک عما سبق فإنّ الصلاة تصد المصلّی عملیاً عن أغلب الذنوب، کما تخلق لدیه الأرضیة لترک الذنوب، لأنّ المصلّی مضطر لاجتناب معظم الذنوب بغیة قبول صلاته، فأحد شرائط الصلاة مثلاً اباحة ماء الوضوء ولباس المصلی ومکان الصلاة، وهذا ما یؤدّی به بالتدریج لتفادی الذنب وترک الکسب الحرام، فقلّما نجد من یتقید بحلیة الصلاة ومقارفة حرمة ما.

والشاهد على ذلک أنّ تارکی الصلاة إنّما یترکون سائر الفرائض کالصوم والحج والزکاة ولا یمیزون بین الحلال والحرام والطاهر والنجس(8). والخلاصة فإنّ للصلاة أثر تربوی ـ سواء کان قویاً أم ضعیفاً ـ فی المصلین، والذی یعتمد على کیفیة الالتزام بالصلاة والمحافظة على أدائها وروحها.

1. سورة العنکبوت، الآیة 45.
2. سورة النور، الآیة 37.
3. نهج البلاغة لمحمد عبدة، الخطبة 220.
4. سفینة البحار، ج 1، ص 486.
5. سورة طه، الآیة 14.
6. سورة العنکبوت، الآیة 45.
7. تفسیر المیزان، ج 16، ص 141.
8. تفسیر المیزان، ج 16، ص 141.