السوال:
إنّ الأئمّة(علیهم السلام) و اولیاء الدین أوصونا بالدفاع عن حقّنا قدر المستطاع وأن لا نرضخ للظلم ونواصل حیاتنا بکرامة، فقد قال الإمام الحسین(علیه السلام): «إنّ الدعی ابن الدعی رکز فینا بین اثنتین، بین السلة والذلة وهیهات منّا الذلة».
ومن الواضح أنّ مراده من کلمة «منّ» نهج أهل بیت العصمة والطهارة. فکیف صبر أخوه الحسن(علیه السلام) على ممارسات معاویة الذی لا یقل فساداً عن یزید؟
الجواب:
للوقوف على نهضة الإمام الحسین(علیه السلام) وصلح أخیه الإمام الحسن(علیه السلام) لابدّ من تأمل الجوانب التاریخیة کافّة وأوضاع وظروف زمانیهما، لتتضح أسرار ذلک «الصلح» وتلک «النهضة». صحیح أنّ معاویة لم یکن أحسن من یزید، إلاّ أنّ التاریخ یشهد بأنّ معاویة کان مخادعاً ومراوغاً، وکان یسعى للتغطیة على أفعاله وتضلیل العوام. ولعل أحد نماذج ذلک منعه تلک الهزیمة المنکرة فی صفین حین حملوا المصاحف على الرماح ; أمّا خلیفته الطائش والساذج ـ یزید ـ فقد کان یفتقر إلى کیفیة إدارة شؤون الأمّة، فضلاً عن عدم إیمانه بمبادئ الإسلام، فلم یراع حتى ذلک الحد الأدنى الذی کان یراعیه معاویة. فقد کان ینتهک أحکام الدین علانیة ولا یأبه بالمقدّسات ویمارس المنکرات بکل وقاحة.
وفی ظل هذه الظروف تأهب عموم المسلمین للقیام والإطاحة بجهاز بنی أمیة. وعلى هذا الضوء نهض الإمام الحسین(علیه السلام) لیفضح هذه السلالة أمام الرأی العام ولیطردها من أذهان المسلمین، غیر أنّ الأوضاع لم تکن کذلک على عهد معاویة. ولو کان الإمام الحسن(علیه السلام) فی عصر یزید لنهض بالأمر، ولو کان الحسین(علیه السلام) على عهد معاویة لعقد الصلح کما یرى ذلک بعض العلماء. والدلیل على ذلک أنّ الإمام الحسین(علیه السلام)صبر على معاویة عشر سنوات بعد أخیه ولم یشهر سیفه علیه، لکنه ما أن سمع بوفاة معاویة وخلافة یزید حتى بدأ نهضته وأعلن قتاله منذ رفض مبایعته، ولم یستقر حتى ضحى بنفسه فی رمضاء کربلاء لإعلاء کلمة الدین والقضاء على بنی أمیة.
ویتضح ممّا سبق أنّ السکوت إزاء حکومة معاویة الذی کان یراعی نسبیاً الحدود الإسلامیة ـ وحفظاً لدماء المسلمین ـ لم یکن من مصادیق الذلة. والموضوع المهم الآخر والذی ینبغی إضافته إلى ما سبق: أنّه طبق شواهد التاریخ فإن وضع السیاسة الخارجیة للمسلمین على عهد معاویة کانت تقتضی ذلک الصلح ; ذلک لأنّ امبراطور روما الشرقیة کان یتابع عن کثب الإقتتال الداخلی للمسلمین ویعدّ العدة لاختراق حدود البلاد الإسلامیة ثأراً لهزائمه السابقة أن تجدد القتال بین الإمام الحسن(علیه السلام)ومعاویة، ولو حدث ذلک لکانت ضربة قاصمة توجه إلى الإسلام والمسلمین. حقاً أنّ تلک الظروف دفعت بالإمام المجتبى(علیه السلام) لعقد الصلح وإفشال مخططات الأعداء.
