السؤال : إنّ الروایات الواردة فی هذا البحث تصف شیعة الإمام علی (علیه السلام) کأنهم أفضل من خلق الله تعالى، ومع الإلتفات إلى هذا المقام السامی للشیعة، نرید أن نعرف من هم هؤلاء الشیعة ؟
الجواب : وفی المقام الجواب على هذا السؤال لابدّ من استعراض معنى کلمة «الشیعة» والبحث فیها من ثلاث جهات :
ففی البدایة نبحث المعنى اللغوی لهذه الکلمة، ثمّ موارد استعمالها فی القرآن الکریم، فی الثالثة نستعرض بعض الروایات التی تتعرض لوصف الشیعة الحقیقیین.
الف : الشیعة فی اللغة : إنّ هذه الکلمة «الشیعة» تعنی فی اللغة «الإنتشار مع القدرة»، فالشیء الذی یمتد وینتشر فی مناطق مختلفة مع القدرة والقوّة یطلق علیه «شیعة» والنتیجة أن الشیعة فی اللغة تطلق على الفئة والجماعة المنتشرة والقویة فی نفس الوقت.
ب : الشیعة فی القرآن : وردت هذه الکلمة فی القرآن الکریم فی أربعة موارد، أحداها ما ورد فی شأن النبی إبراهیم (علیه السلام) فی سورة الصافات، الآیة 83 و 84 :
(وَاِنَّ مِنْ شیعَتِه لاَِبْراهیمَ * إذْ جاءَ رَبَّهُ بَقَلْب سَلیم).
هذه الآیة الشریفة وصفت إبراهیم بأنه من شیعة النبی نوح (علیه السلام)، أی أنه استمرار لخطّ النبی نوح (علیه السلام)، والآیة الثانیة ترسم معالم التوفیق الذی ناله إبراهیم فی هذا المجال حیث توجه إلى خالقه وربّه بقلب سلیم(1) من أدران الشرک وتلوثات الخطایا.
والآیة الاُخرى التی وردت فیها کلمة الشیعة هی الآیة 15 من سورة القصص حیث تتعرض هذه الآیة إلى قصة موسى (علیه السلام) وتقول :
(وَدَخَلَ الْمَدینَةَ عَلَى حینِ غَفْلَة مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فیها رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلانِ هذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِی مِنْ شیعَتِهِ عَلَى الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ...).
کلمة «شیعة» فی هذه الآیة الشریفة اُطلقت على أتباع النبی موسى (علیه السلام) ویمکننا أن نستوحی من هذا التعبیر أن النبی موسى کان قد شکّل جماعة له قبل النبوّة وربّاهم على طریق الحقّ والإیمان.
والنتیجة هی أن کلمة شیعة فی الآیات أعلاه وردت فی حقِّ بعض الأنبیاء وأتباعهم.
ج : الشیعة فی الروایات : لقد وردت کلمة «شیعة» فی الروایات الشریفة بشکل واسع ومستفیض، ونکتفی هنا بذکر ثلاث نماذج منها :
1 ـ ما ورد فی خطاب الإمام علی لأحد أصحابه ویدعى «نوف البکالی» قال :
«أَتَدْری یا نَوْفُ مَنْ شیعَتِی ؟»
فقال نوف : لا وَالله.
فشرع الإمام یبین له أوصاف الشیعة الحقیقیین ومن ذلک أنه قال : «رُهْبانٌ بِاللَّیْلِ وَاُسْدٌ بِالنَّهار»(2) فیعیشون فی اللیل الشوق والمناجاة والتبتل إلى الله تعالى، وفی النهار یتحرکون فی دفاعهم عن الإسلام وخدمة المسلمین من موقع الإخلاص والشجاعة الفائقة ولا تأخذهم فی ذلک لومة لائم.
2 ـ وورد فی روایة اُخرى فی أوصاف الشیعة :
«إنَّما شَیعَتُنا أَصْحابُ الاَْرْبَعَةِ الأعْیُنِ; عَیْنانِ فِی الرَّأْسِ وَعَینانِ فِی الْقَلْبِ»(3)
أی أن الشیعی ینبغی أن یکون شخصاً قویاً، شجاعاً، واعیاً، یقظاً، فاهماً وعالماً لا أن یکون ساذجاً وسطحیاً ویتعامل مع الأحداث من موقع الهویمات والأوهام الهشة والمطلقات الخاویة.
3 ـ وقال شخص للإمام الباقر (علیه السلام) : «الحمد لله على کثرة شیعتکم».
فنظر إلیه الإمام نظرة ذات مغزى وقال له : إنما تقوله عن شیعتنا :
هَلْ یَعْطِفُ الْغَنیُّ عَلَى الْفَقیرِ ؟ وَیَتَجاوَزُ الْمُحْسِنُ عَنِ الْمُسِیءِ وَیَتَواسَوْنَ ؟
قُلتُ : لا.
قالَ : لِیْسَ هؤُلاءِ الشِّیعَةُ، الشِّیعَةُ مَنْ یَفْعَلُ هَکَذ(4).
أجل، فإنَّ الشخص الشیعی یجب أن یکون قائم اللیل یقظ وعامل فی النهار ویتعامل مع الواقع والأحداث بمنطق العقل والفهم السلیم ویساعد الفقراء والمساکین ویعفو عن المسیئین ویشارک الناس فی همومهم ویواسیهم فی غمومهم.