إنّ المحور الأساس الذی تدور حوله الآیات الثمانیة عشر فی هذه السورة والذی استوجب کلّ هذه المثوبات العظیمة هو مسألة إسداء ید العون إلى المحتاجین والمحرومین، وهذا یدلُّ بوضوح على أهمیّة هذه المسألة فی دائرة المفاهیم القرآنیة وأن الله تعالى یولی أهمیة خاصّة إلى هذا الموضوع، فکلُّ من أراد الدخول تحت مظلّة عنایة الله ورحمته الواسعة یجب أن یهتم بقضاء حوائج المحتاجین وإشباع جوعة الجائعین ورفع حرمان المحرومین، ولو انه ارتفع فی مدارج الکمال أکثر من ذلک وتحرّک من موقع الإیثار إلى المحتاجین فلا شکّ أنّ عنایة الله ولطفه ورحمته ستشمل هذا الإنسان، ومن أجل توضیح هذا الموضوع وبیان أهمیة مساعدة المحرومین والمحتاجین نذکر روایتین فی هذا المجال :
1 ـ یقول الإمام علی (علیه السلام) فی کتابه ووصیته إلى ابنه الإمام الحسن (علیه السلام) :
وَاعْلَمْ أَنَّ اَمَامَکَ عَقَبَةً کَؤُوداً، اَلْمُخِفُّ فِیهَا اَحْسَنُ حَالاً مِنَ الْمُثْقِلِ، وَالْمُبْطِىءُ عَلَیْهَا اَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ، وَاَنَّ مَهْبِطَکَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ اِمَّا عَلَى جَنَّة أَوْ عَلَى نَار، فَارْتَدْ لِنَفْسِکَ قَبْل نُزُولِکَ، وَوَطِّىءِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِکَ، فَلَیْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ، وَلاَ إلَى الدُّنْیَا مُنْصَرَفٌ(1).
وهکذا نرى أن أفضل وسیلة لعبور هذا المضیق الخطر والعقبة الکؤود وأفضل زاد لسفر القیامة والورود فی صحراء المحشر هو مساعدة الفقراء والمحتاجین والإحسان إلیهم، فهذا العمل فی الحقیقة یشبه ما إذا دفعنا ما نحتاجه فی صحراء المحشر إلى هؤلاء الفقراء والمساکین فی الدنیا لیحملوه عنا ثمّ یعیدونه إلینا فی ذلک الیوم العسیر، فهل هناک أفضل من هذه المعاملة المربحة ؟
2 ـ وینقل المحدّث الکلینی وهو من کبار علماء الشیعة حدیثاً فی الکافی عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال :
ثَلاَثٌ مَنْ اَتَى اللهَ بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ اَوْجَبَ اللهُ لَهُ الْجَنَّةِ; اَلاِْنْفاقُ مِنْ اِقْتَار(2)، وَالْبِشْرُ لِجَمِیعِ الْعَالَمِ(3)، وَالاِْنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ.(4)
وهکذا ندرک أهمیة أن یرى الإنسان حقّه وحقوق الآخرین بعین واحدة وینصف الناس من نفسه، ولهذا ورد فی روایة اُخرى قوله (علیه السلام) :
اِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ الَّذِی یُحِبُّ لاَِخیهِ ما یُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَیُکِرْهُ لَهُ مَا یُکْرِهُ لِنَفْسِهِ.(5)