نقرأ فی آیات سورة التوبة وسورة الصف قوله تعالى : (إنَّ اللهَ اشْتَرى) و (هَلْ اَدُلُّکُمْ عَلَى تِجارَة ) ففی هذه العبارات نفهم أن الله تعالى هو المشتری، وهو الذی یرغّب البائعین إلى بیع متاعهم وبضاعتهم، ولکننا نقرأ فی آیة لیلة المبیت (وَمِنَ النّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ) ومعنى هذه العبارة أن البائع هنا یتقدّم بعرض بضاعته ویبتدأ بالمعاملة. ومن الواضح أن التعبیر الأدبی فی هذه الآیة الشریفة أروع وألطف، لأن الشخص الذی یقدم نفسه على طبق الإخلاص ویعرضها للبیع لا یجد فی نفسه رغبة إلاّ بعد ترغیب المشتری رغم أن عمله هذا لا یخلو من التقدیر بلاشک.
مضافاً إلى ذلک فإنّ الآیة محل البحث تبدأ بکلمة «مِنْ» التبعیضیة فی قوله «وَمِنَ النّاسِ» أی أن هذا العمل العظیم لا یتمکن من أداءه إلاّ بعض الناس فی حین أن الآیتین السابقتین تطرح مسألة المعاملة مع الله والمعاوضة بالجنّة والنجاة من النار فی إطار عام وشامل «اِشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنینَ».