السؤال : لقد قلتم أن العبادة خاصّة بالله تعالى ولا ینبغی عبادة غیر الله لأن ذلک یحسب من الشرک فی حین أننا نجد فی بعض الآیات القرآنیة أنها تتحدّث عن السجود لغیر الله تعالى من قبیل :
1 ـ ما ورد فی قصة آدم وحواء عندما خلق الله آدم وأمر الملائکة بالسجود له :
(فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ اَجْمَعُونَ).(1)
فلو کانت العبادة لغیر الله تعالى شرک فلماذا ورد الأمر فی هذه الآیة الشریفة بالسجود لآدم ؟
2 ـ وفی سورة یوسف عندما تحرک الاُخوة مع الوالدین من الصحراء متوجهین إلى مصر بعد أن علموا بحیاة یوسف، حیث یحدّثنا القرآن الکریم عن اللحظة التی التقى فیها هؤلاء بالنبی یوسف وقال :
(وَرَفَعَ اَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً).(2)
فطبقاً لهذه الآیة الشریفة فإنّ أبناء یعقوب سجدوا لیوسف، فلو کان السجود لغیر الله شرکاً، فکیف نفسر ما ورد فی هذه الآیة الشریفة ؟
3 ـ عندما ورد بنو إسرائیل بیت المقدّس فإنّ الآیة تذکر هذه الواقعة وأن بنی إسرائیل سجدوا عند ورودهم المعبد فی بیت المقدّس کما نقرأ ذلک فی الآیة 58 من سورة البقرة :
(وَإذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْیَةَ فَکُلُوا مِنْهَا حَیْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَکُمْ خَطایاکُمْ وَسَنَزِیدُ الْمحْسِنِینَ).
والخلاصة أن هذه الآیات الثلاث تتحدّث عن السجود لغیر الله فکیف یتناغم ذلک مع التوحید فی العبادة ؟
الجواب : تقدم أن حرمة الشرک وعدم جواز السجود لغیر الله واختصاص العبادة بالله تعالى إنّما هو قانون کلّی لا یقبل الإستثناء، فالشرک لا یمکن أن یتواءم مع التوحید فی أی مرتبة من مراتبه، وعلیه فإنّ السجود الوارد فی الآیات المذکورة لا یعنی العبادة بل هو سجود الشکر والتعظیم لله تعالى على نعمه ومواهبه العظیمة.
عندما سجد الملائکة لآدم ففی الحقیقة أنهم سجدوا لله تعالى الذی خلق مثل هذا المخلوق العظیم، إذن فالسجود فی الواقع کان لله تعالى ولکن بسبب خلق آدم.
وهکذا فی اُخوة یوسف فإنهم سجدوا شکراً لله تعالى لأجل النعمة العظیمة التی أولاها الله تعالى لأخیهم یوسف، ولأجل نجاتهم من الحیاة الصعبة والشاقّة فی صحراء کنعان ورؤیتهم أخیهم بعد سنوات من الفراق وبالتالی انتقالهم إلى مصر لیعیشوا حیاة طیبة ومرفهة وکریمة، فلأجل ذلک سجدوا شکراً لله تعالى، کما هو الحال فی بنی إسرائیل الذین سجدوا لله تعالى لا لمسجد بیت المقدّس.
عندما یقوم المسلمون والحجاج بأداء صلاة الجماعة حول الکعبة ویسجدون لله تعالى فی صلاتهم هذه أمام بیت الله الحرام، فهل معنى هذا أنهم سجدوا للکعبة، أو أن أحداً من المسلمین لا یسجد للکعبة بل یسجد لله تعالى ویعبده وحده ولکن فی مقابل الکعبة ؟
وعلى هذا الأساس فإنّ السجود فی جمیع الموارد هو لله تعالى، وفی الحقیقة هو مصداق بارز لعبادة الله رغم أن الدوافع قد تکون متفاوتة ومختلفة، والنتیجة هی أن الآیات الثلاثة المذکورة آنفاً لا تعدُّ استثناءاً من القاعدة الکلیّة فی توحید العبادة.
1 . سورة الحجر : الآیة 30 وسورة ص : الآیة 73.
2 . سورة یوسف : الآیة 100.
