إنّ التدبّر والتعمق والدقة فی الآیة الشریفة نفسها وبدون الإستعانة باُمور أخرى بإمکانه أن یجیب على جمیع الأسئلة الواردة أعلاه بشرط الإبتعاد عن التعصّب فی تحکیم عقولنا لاستجلاء الحقیقة، لأنّه:
أوّلاً : أنّ الآیة مورد البحث هی الآیة (67) من سورة المائدة وکما نعلم فإنّ سورة المائدة هی آخر سورة(1) نزلت على النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أو من أواخر السور التی جاء بها الوحی إلى الرسول الکریم(صلى الله علیه وآله)، أی أنّ هذه الآیة نزلت فی السنة العاشرة من البعثة وهی آخر سنة من عمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وبعد ثلاثة وعشرین سنة من تبلیغ الرسالة الإلهیة.
والسؤال هو : ما هو الموضوع المهم الذی لم یبلّغه الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) إلى الناس بعد ثلاثة و عشرین سنة من عمر النبوّة والرسالة؟
هل أنّ هذا الموضوع المهم یتعلق بالصلاة، فی حین أنّ المسلمین کانوا یصلّون قبل ذلک بعشرین سنة؟
هل یتعلق بالصیام فی حین أنّ حکم الصوم قد وجب بعد الهجرة وقد مضى على تشریعه ثلاثة عشر سنة؟
هل یتعلق بأمر تشریع الجهاد ونحن نعلم أنّ الجهاد قد شُرّع فی السنة الثانیة للهجرة؟
هل یتعلق بالحج ؟
الجواب : کلاّ، إنّ الانصاف یدعونا إلى إنکار أن یکون هذا الموضوع یتعلق بواحدة من هذه الاُمور فلابدّ من التأمل فی هذه الحقیقة، ونتسائل: ما هی المسألة المهمّة التی بقیت بعد ثلاثة وعشرین سنة من أتعاب الرسالة بدون تبلیغ ؟
ثانیاً : ویستفاد من أجواء الآیة الشریفة أنّ هذه المأموریة للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) إلى درجة من الأهمّیة والخطورة بحیث تعادل الرسالة والنبوّة نفسها، وأمّا الإحتمالات التی ذکرها العلماء فی تفسیر واکتشاف مضمون هذه المأموریة کما تقدم آنفاً فانّها رغم أهمّیتها ولکنّها لا تعادل بثقلها الرسالة نفسها، فیجب أن نتفکّر فی ماهیّة هذا الأمر المهم الذی یعادل الرسالة والنبوّة الذی لم یؤدّه النبی لحد الآن.
ثالثاً : الخصوصیة الأخرى لهذه المأموریة الإلهیة هی أنّ بعض الناس سیتحرکون من موقع الرفض والإعتراض ویکون اعتراضهم إلى درجة من الشدّة والجدّیة بحیث أنّهم مستعدون لقتل النبی والقضاء علیه ونحن نعلم أنّ المسلمین لم یعترضوا على تشریعات سابقة من قبیل الصلاة والصوم والحج والجهاد وأمثال ذلک.
إذن هذه المأموریة تتضمن مسألة سیاسیة بحیث تدفع بالبعض إلى الإعتراض والإستنکار والتحرک نحو القضاء على النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) لمنعه من إمتثال هذا التکلیف الإلهی.
وعندما نأخذ بنظر الإعتبار جمیع هذه الأبعاد المذکورة فی أجواء الآیة الشریفة ونتدبّر فی هذا الموضوع من موقع الانصاف والحیاد التام ونسعى لفهم الحقیقة بعیداً عن التعصّب والعناد لا نصل إلاّ إلى مسألة الولایة والخلافة بعد النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والتی قام النبی بتبلیغ هذه الرسالة فی غدیر خم بصورة رسمیة.
أجل! إنّ الموضوع الذی لم یبلّغه النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) للمسلمین إلى آخر عمره الشریف بصورة رسمیة والذی یعادل الرسالة والنبوّة والذی تمادى الکثیر من الناس لمنع الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) من أداء هذه المهمّة والذی وعد الله عزّ وجلّ نبیّه الکریم بأن یحفظه من الأخطار التی تکتنف أداء هذه الرسالة هی المسألة المصیریة والمهمّة فی دائرة الخلافة، لأنّه بالرغم من أنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قد ذکر للناس مسألة ولایة الإمام علی فی السابق إلاّ أنّه لم یبلّغها لجمیع المسلمین بصورة رسمیة لحد الآن، ولهذا السبب فانّه عندما کان عائداً من حجة الوداع قام بتبلیغ هذه المأموریة الإلهیة الکبیرة فی صحراء غدیر خم بأفضل صورة حیث أعلن لجمیع المسلمین عن نصبه للإمام علی(علیه السلام) خلیفة على المسلمین، وبتبلیغ هذه المأموریة کمُلت رسالته.