وقد ورد فی الحدیث النبوی الشریف أن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قال :
«السّابِقُونَ إلى ظِلِّ الْعَرْشِ طُوبى لَهُمْ».
قیلَ : یا رَسُولُ اللهِ وَمَنْ هُمْ ؟ قال :
1 ـ «الَّذِینَ یَقْبَلُونَ الْحَقَّ إذَا سَمِعُوهُ»
إنّ السابقین یتّصفون بأنهم یذعنون للحقّ أیاً کان ومن أی شخص سمعوه حتّى لو کان من عدو أو صبی صغیر فلا یجدون فی أنفسهم حرجاً ولا تعصباً أو تکبّراً على الحقّ، فعندما یدرک الإنسان خطأه وتتضّح له آفاق الحقیقة فیجب علیه أن یتحرک من موقع الشجاعة والشهامة ویعترف بخطئه ویقبل بالحقّ ولیعلم أن ضرر الإعتراف بالخطأ أقلُّ بکثیر من ضرر العناد والإصرار على الخطأ وعدم الإعتراف به.
2 ـ «وَیَبْذَلُونَهُ إذا سَألُوهُ»
فلا یحقُّ للسابقین کتمان الحقّ، لأن کتمان الحقّ من الذنوب الکبیرة، ولذلک لا یقولون أننا قد نتعرض للضرر من قول الحقّ أو قد یتألم والدنا أو والدتنا أو زوجتنا أو صدیقنا وجارنا من قول الحقّ، فهم یعلمون أن الواجب یحتم علیهم أن یشهدوا بما یعلمون أنه الحقّ والصواب کما ذکر الله تعالى ذلک فی الآیة الشریفة 283 من سورة البقرة وقال :
(وَلا تَکْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ یَکْتُمْها فَاِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلیمٌ).
3 ـ «وَیَحکُمُونَ لِلنّاسِ کَحُکْمِهِمْ لاَِنْفُسِهِمْ»(1).
الخصوصیّة الاُخرى للسابقین هی أنهم یحبّون لغیرهم ما یحبّون لأنفسهم ولا یحکمون لغیرهم إلاّ بما یرونه صلاحاً لأنفسهم، وبعبارة اُخرى أنهم یرون منافعهم ومنافع الآخرین بعین واحدة، وبلاشک إنّ هذه المرتبة الأخلاقیة لا تتیسر لکلِّ شخص ولیس من الیسیر أن ینظر الإنسان لمصالح الآخرین کما یرآها لنفسه ویذعن للحقّ من دون أن تتدخل فی ذهنه عناصر الأنانیة، وبذلک ینال مرتبة السابقین.
إذا عمل الإنسان المعاصر بهذه التعلیمات النبویة الثلاث فإنّ العالم سوف یتبدل إلى جنّة، ولکن مع الأسف فإنّ تعامل دعاة حقوق الإنسان مع الشعوب الاُخرى من موقع الإنتهازیة والریاء حوّل المجتمع البشری إلى کیانات مهزوزة وبدّل العالم إلى جهنم محرقة ولم یبق من حقوق الإنسان فی أذهان البشر سوى أوهام خاویة وتوهیمات زائفة، فعندما یسمع أبناء البشر إدعاءات هؤلاء المدّعین والمنادین لحقوق الإنسان یتبادر إلى أذهانهم مفاهیم جدیدة وهی «حفظ منافع السلطات الإستکباریة بأی قیمة وبأی شکل کان».