عندما تم إسکان آدم وحواء فی الجنّة أباح لهما الله تعالى الإستفادة من جمیع النعم والمواهب فیها إلاّ شجرة واحدة أمره بالإبتعاد عنها وعدم تناول شیء منها، وهکذا استمر آدم وحواء فی حیاتهما السعیدة فی الجنّة ولم یقتربا من الشجرة الممنوعة، ولکنّ الشیطان الذی تلّقى ضربة قاصمة عند خلق آدم وتمّ إخراجه من الجنّة وأصبح مورد اللعنة الأبدیة کان یتحین الفرصة للانتقام من آدم، ولهذا شرع بالوسوسة لآدم وحواء لیدفعهما نحو الشجرة الممنوعة والتلوّث بالخطیئة.

 ونعلم أن الشیطان عندما یوسوس للإنسان بالخطیئة فإنه لا یتقدم بالإنسان باقتراح ممارسة الذنب بصورة مباشرة بل یغطّی الذنب بأقنعة زائفة وبرّاقة وجذّابة بحیث إنّ الإنسان عندما یتحرّک نحو الذنب یتصور أنه یقدم على عبادة ویؤدی وظیفته الشرعیة کما یحدّثنا القرآن الکریم عن ملکة سبأ وقومها المشرکین الذین کانوا یعبدون الشمس :

 (وَجَدْتُها وَقَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ اَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ)(1).

 وعلى هذا الأساس تقدّم الشیطان فی خداعه ووسوسته لآدم بالقول :

 (هَلْ اَدُلُّکَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ)(2).

 إنّ الإنسان یطلب البقاء والخلود بفطرته ویفزع من الفناء والعدم، والأشخاص الذین یعیشون الخوف من الموت فإنهم یتصورون أن الموت یعنی الفناء والعدم، ولکنّ المؤمنین وأتباع أهل البیت لا یرون الموت سوى قنطرة ینتقلون منها إلى عالم أکبر وأوسع، ولذلک فلا یشعرون بالخوف من الموت.

 وعلى أیّة حال فإنّ الشیطان وبهذه الحیلة والخدعة من أن الشجرة الممنوعة تورث البقاء والخلود فی الجنّة استطاع إغفال آدم عن النهی الإلهی وجرّه إلى التناول من الشجرة، ثمّ إنّ آدم أدرک خدعة الشیطان وندم بشدّة على ما صدر منه وأراد التوبة إلى الله والإنابة إلیه ولکنه لم یکن یعرف طریق التوبة هذا، فعلّمه الله تعالى کیفیة التوبة والتوسل بأن ألقى إلیه کلمات استخدمها آدم فی عملیة التوبة، فکانت النتیجة أن قبل الله تعالى توبته وأعاده إلى مقامه الکریم لدى الله تعالى، واستطاع آدم بهذه التوبة أن یوجّه ضربة قاصمة اُخرى للشیطان الرجیم والعدو الرئیسی للإنسان.

1 . سورة النمل : الآیة 24.
2 . سورة طه : الآیة 120.