للتوحید أقسام ومراتب متعدّدة، ونشیر هنا إلى أربعة مراتب مهمّة للتوحید :

 1 ـ توحید الذات : یعنی الإعتقاد بأن الله تعالى واحد فی ذاته، ولیس المراد بأنه واحد فی العدد أی موجود واحد لا إثنین لأنه على أساس المعنى الأوّل للتوحید أن الله واحد، بمعنى أن الإنسان لا یتصور له شبیه ومثیل، ولکن على المعنى الثانی یمکن تصور الشبیه والمثیل رغم انعدام الوجود الخارجی لهذا الشبیه.

 وعلى هذا الأساس فإنّ الآیة الاُولى من سورة التوحید (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)تفسر بمعنى قوله تعالى فی هذه السورة أیضاً (لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ) فلا نظیر له ولا شبیه ولا یمکن تصور النظیر والشبیه له.

 2 ـ توحید الصفات : فجمیع صفات الله تعالى تعود إلى حقیقة واحدة، فلیست صفة العلم شیءٌ آخر غیر القدرة، والقدرة الإلهیة أیضاً لیست شیئاً آخر غیر الأزلیة، وهکذا سائر الصفات الاُخرى تعود فی الحقیقة على الذات، ولکن بالنسبة إلى الإنسان فیمکن القول أن علمه فی روحه، وشجاعته وقدرته فی عضلاته، ورحمته فی قلبه، ولا یصحّ هذا القول بالنسبة إلى الله تعالى فإنّ ذاته المقدسة هی علم وقدرة وحیاة وغیر ذلک.

 3 ـ توحید الأفعال : إنّ کلُّ فعل أو حرکة أو ظاهرة فی هذا العالم هی فی الواقع من تجلیّات الذات المقدسة ولا شیء بإمکانه أن یؤثر فی عالم الوجود بدون إذنه ومشیئته «لا مُؤَثِّرَ فِی الْوُجُودِ اِلاَّ اللهُ» فعندما تحرق النار شیئاً فإنّ ذلک بإذن الله، ولذلک رأینا أن نار نمرود لم تستطع إحراق إبراهیم لأن الله تعالى لم یأذن لها بذلک، وعندما یطفىء الماء النار فذلک أیضاً بمشیئة الله، وکلُّ ما نعمل من عمل فإن ذلک بإذن الله لأنه تعالى هو الذی أقدرنا على ذلک ومنحنا الإختیار والحریة والقدرة والعقل لنتصرف کیف ما نرید، فکلُّ ذلک حصلنا علیه من الله تعالى، وکلُّ حرکة من حرکاتنا تعود إلى ذاته المقدسة، والخلاصة أن المؤثر للاستقلال هو الله تعالى وما بقی من الأسباب فلیس لها قدرة على التأثیر إلاّ بمشیئة الله وإرادته.

 4 ـ توحید العبادة : إنّ العبادة لا ینبغی أن تکون إلاّ لله تعالى ولا یوجد موجود یلیق بالعبادة غیر الله تعالى، کما یشاهد من بعض الشیعة عندما یدخلون المشاهد المشرّفة لأحد الأئمّة الأطهار (علیهم السلام) فإنّهم یقبلون الأرض أو عتبة الباب، فهو فی الحقیقة من قبیل سجدة الشکر لله تعالى أنه وفقهم لزیارة أولیائه لا أنها سجود للإمام (والعیاذ بالله) لأن الشیعة لا یعتقدون بأی موجود یستحق العبادة والسجود غیر الله تعالى ولا یسجدون لغیر الله، ولذلک نوصی الشیعة أن یترکوا هذا العمل أیضاً أی سجدة الشکر أمام الضریح المقدّس دفعاً لهذا التوهم وألا یکون ذلک ذریعة بید البعض لیتحرکوا ضد الشیعة من موقع التهویل والإتهام، وعلى أیّة حال فإنّ العبادة لا تکون إلاّ لله تعالى.

 هذه المراتب الأربع للتوحید تعتبر المراتب الأصلیة للتوحید رغم وجود مراتب اُخرى متفرعة علیها نظیر : توحید الحاکمیة(1)، توحید الشارعیة(2)، توحید المالکیة(3)، وأمثال ذلک(4).

 ومن هنا یتضح أن الإنسان المسلم إذا اعتقد بما ذکر أعلاه من حقیقة التوحید فإنه کامل الإیمان وموحد فی نظر الإسلام، ولکن الوهابیین الذین یدّعون التوحید ویرفضون الشرک لم یدرکوا عمق هذه المراتب للتوحید الواردة فی تعالیم أئمّة أهل البیت (علیهم السلام)ولذلک فهم یتهمون الآخرین بالشرک دائماً.

1 . المراد من توحید الحاکمیة هو أن تکون مشروعیة الحکومات البشریة مستمدة من الله تعالى لا من الناس، وحتّى عندما یشترک الناس فی الإنتخابات ویختاروا لهم حاکماً ورئیساً فإن ذلک یقتبس مشروعیته من أمر الله تعالى.
2 . «توحید الشارعیة» یعنی أن المقنّن والمشرّع للقوانین هو الله تعالى، فکلّ قانون ینتهی إلى القوانین الإلهیة فهو مشروع.
3 . «توحید المالکیة» یعنی أن المالک فی الحقیقة هو الله تعالى، وأما ما یملکه الناس فهو فی الحقیقة أمانة بأیدیهم، فکلّ ما لدینا فی الحیاة هو أمانة موقتة جعلها الله فی اختیارنا لأیام معدودة.
4 . للمزید من التفاصیل حول أقسام التوحید، انظر : نفحات القرآن : ج 4، للمؤلف.