إن الأحادیث والروایات الشریفة الواردة فی شأن نزول هذه الآیة الشریفة کثیرة، وقد ذکر العلاّمة الأمینی فی کتابه القیّم «الغدیر»(1) هذه الروایات مع الأبحاث المتعلّقة بها بصورة واسعة، فقد أورد حدیث الغدیر فی هذا الکتاب من مائة وعشرة راو من أصحاب النبی مضافاً إلى ذلک فقد نقله من ثمانین شخصاً من التابعین(2)، وقد ذکر العلاّمة الخبیر الأحادیث المتعلّقة بهذه الحادثة التاریخیة من ثلاث مئة وستین من المصادر الروائیة والتاریخیة لدى المسلمین وبعضها من مصادر أهل السنّة والبعض الآخر من مصادر الشیعة، ولکنّ الملاحظة المهمة هنا هی أنّ جمیع هذه الروایات التی تتحدّث عن واقعة الغدیر العظیمة لا ترتبط ببحثنا هذا بل الروایات التی تتحدّث عن نزول هذه الآیة الشریفة هی التی ترتبط ببحثنا، ولحسن الحظّ أنّ عدد هذه الروایات لیس بالقلیل فقد ذکر المحقّق العلاّمة الأمینی فی کتابه المذکور ستة عشر روایة فی هذا المجال(3)، ونحن نشیر إلى بعضها فیما یلی :

 1 ـ ما أورده السیوطی وهو من علماء أهل السنّة وکان یعیش فی مصر ویعدّ من کبار علماء أهل السنّة، فقد ذکر هذه الروایة فی کتابه :

 «یقول أبو سعید الخدری :

 لَمَّا نَصَبَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله علیه وآله) عَلِیّاً (علیه السلام) یَوْمَ غَدیرِ خُمٍّ فَنادَى لَهُ بِالوِلاَیَةِ، هَبَطَ جَبْرَئیلُ بِهذِهِ الآیَةِ : (اَلْیَوْمَ اَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ...)(4) ».

 وطبقاً لهذه الروایة الواردة فی کتب أهل السنّة یکون المراد من کلمة «الیوم» فی الآیة الشریفة هو یوم الغدیر، والآیة مورد البحث تتحدّث عن ولایة وخلافة أمیرالمؤمنین (علیه السلام).

 2 ـ وقد أورد هذا العالم السنّی روایة اُخرى عن أبی هریرة الراوی المقبول لدى أهل السنّة. «یقول أبو هریرة :

 لَمّا کان یَوْمَ غَدیرِ خُمٍّ وَهُوَ یَوْمُ ثَمانی عَشَرَ مِنْ ذِی الْحَجَّةِ، قَالَ النَّبِیُّ (صلى الله علیه وآله)  : مَنْ کُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذا عَلِیٌّ مَوْلاهُ، فَاَنْزَلَ اللهُ : (اَلْیَوْمَ اَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ و...)(5) ».

 وهذه الروایة أیضاً تدلّ بوضوح على المطلوب.

 3 ـ وروى الخطیب البغدادی وهو أحد علماء أهل السنّة فی القرن الخامس(6) الهجری فی کتابه المعروف «تاریخ بغداد» نقلاً عن أبی هریرة حیث قال :

 قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله علیه وآله) «مَنْ صامَ یَوْمَ ثَمانَ عَشَرَةَ مِنْ ذِی الْحَجَّةِ کُتِبَ لَهُ صِیامُ سِتّینَ شَهْراً»(7) وَهُوَ یَوْمُ غَدیرِ خُمٍّ لَمّا أَخَذَ النَّبِیُّ (صلى الله علیه وآله) بِیَدِ عَلِیِّ بْنِ أبَى طالِب فَقَالَ : «أَلَسْتُ وَلِیَّ الْمُؤْمِنِینَ» قَالُوا : بَلى یا رَسُولَ اللهِ، قَالَ (صلى الله علیه وآله) : «مَنْ کُنْتُ مَولاهُ، فَعَلِیٌّ مَوْلاهُ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ خَطّاب(8) : بَخٍّ بَخٍّ لَکَ یَابْنَ أَبی طالِب أَصْبَحْتَ مَوْلایَ وَمَوْلاى کُلِّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَة، فَأنْزَلَ اللهُ (الْیَومَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ...).(9)

 4 ـ وذکر الحاکم الحسکانی وهو من علماء القرن الخامس ومن علماء أهل السنّة روایات صریحة فی هذا المجال فی کتابه، ولکننا نصرف النظر عن ذکرها هنا طلباً للاختصار(10).

 5 ـ وذکر أبوحافظ النعیم الاصفهانی فی کتابه «مانزل من القرآن فی علیّ» عن الصحابی المعروف أبی سعید الخدری أنّ النبی الأکرم نصب فی یوم غدیر خم علی بن أبی طالب وصیاً وخلیفة له وقبل أن یتفرّق الناس فی غدیر خم نزلت الآیة الشریفة (اَلْیَوْمَ اَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ و...) وهنا قال :

 اَللهُ أَکْبَرُ عَلى اِکْمالِ الدّینِ واِتْمامِ النّعْمَةِ وَرِضَى الرَّبِّ بِرِسالَتی وَبِالْوِلایَةِ لِعَلِیٍّ (علیه السلام)مِنْ بَعْدی، ثُمَّ قال : مَنْ کُنْتُ مَوْلاهُ فَعِلیٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عادَاهُ وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ(11).

  والنتیجة هی أن الروایات التی وردت فی هذا المجال توحی بصورة جلیّة أنّ آیة إکمال الدین نزلت فی واقعة الغدیر وتدلّ بوضوح على إمامة وخلافة الإمام علیّ (علیه السلام).

1 . بالرغم من وجود کتب ومصادر غیر الغدیر تذکر هذه الواقعة مثل : عبقات الأنوار، المراجعات، إحقاق الحقّ وغیرها، إلاّ أنها لا تصل إلى مستوى کتاب الغدیر لأن العلاّمة الأمینی أکثر دقّة وأجود تنظیماً.
2 . الفرق بین «الصحابة» و«التابعین» أن الصحابة رأوا رسول الله (صلى الله علیه وآله) وکانوا یعیشون فی زمانه، وأما التابعین فانهم لم یشاهدوا رسول الله (صلى الله علیه وآله) ولم یعیشوا فی زمانه بل عاشوا فی زمن الصحابة.
3 . الغدیر فی الکتاب والسنّة : ج 1، ص 230.
4 . الدرّ المنثور : ج 2 ص 259.
5 . نفس المصدر السابق.
6 . بُذلت عنایة خاصة بأحادیث الغدیر فی القرن الخامس الهجری، ولهذا تمّ تألیف کتب متعددة فی هذا القرن تختص بهذه الواقعة.
7 . من الواضح أن السبب فی فضیلة الصیام فی هذا الیوم وهو الیوم الثامن عشر من ذی الحجة إنما هو من أجل الشکر على هذه النعمة العظیمة، وهذا یعنی وقوع حادثة عظیمة فی هذا الیوم، وإلاّ فمن البعید أن یترتب کلّ هذا الثواب العظیم على صوم هذا الیوم.
8 . من العجیب جدّاً أن عمر بن الخطاب الذی أسس الإنحراف عن خط الولایة فهم من کلمة الولی فی خطبة الغدیر معنى الرئاسة والزعامة لأنه قال : «أصبحت مولای ومولى کلّ مؤمن...» فالصداقة والمحبة لم تکن بالشیء الجدید بین علی وعمر وباقی المسلمین، ولکن اتباع عمر الذین هم أعلم من عمر قطعاً تأوّلوا هذه الکلمة بمعنىً آخر تعصباً وعناداً.
9 . تاریخ بغداد : ج 8، ص 290.
10 . شواهد التنزیل : ج 1، ص 157.
11 . التفسیر الأمثل : ذیل الآیة الشریفة.