السؤال : مع الإلتفات إلى الروایات الکثیرة الواردة فی شأن نزول هذه الآیة الشریفة التی تؤید أنها واردة فی شأن الإمام علی (علیه السلام)

 وفی مقام الجواب عن هذا السؤال نذکر مثالین على ذلک :

 ألف ) إذا دخل أحد الأشخاص مدینة معیّنة ولم یکن له فیها أیُّ شخص یعرفه، وحینما یحین وقت یتوجه إلى المسجد لیدرک فضیلة صلاة الجماعة وفضیلة الصلاة أوّل الوقت، فمع العلم بأنه لا یعرف أحداً من هذه المدینة کیف یمکنه أن یتثبت من عدالة إمام الجماعة ویقتدی به ؟

 یقول الفقهاء : إنّ مجرد حضور مجموعة من الأشخاص من أهل الإطلاع والفضل واقتداءهم به یمکنه أن یکون بمثابة الشهادة على عدالة إمام الجماعة، من قبیل أن مئات من رجال الدین والشیوخ یقتدون به فی صلاتهم، فمن هنا یتبیّن لنا عدالة إمام الجماعة من خلال اقتداء المأمومین هؤلاء.

 ب ) إذا رأینا شخصاً من أهل الخبرة والفضل ومورد احترام الناس یأتی إلى اُستاذ من الأساتذة ویجلس بین یدیه لیتعلم ویتتلمذ على ید هذا الاُستاذ الذی لا نعرفه إطلاقاً، فمن خلال معرفتنا بعلم وفضل التلمیذ ندرک عظمة الاُستاذ وعلمه الواسع، وعلى سبیل المثال إذا رأینا الشیخ الأنصاری أو العلاّمة الحلّی یدرسان ویتعلمان عند اُستاذ غیر معروف، فمن خلال التلمیذ ندرک عظمة الاُستاذ.

 وبالنظر إلى هذین المثالین نجیب على السؤال المذکور :

 عندما نطالع شخصیة الإمام علی (علیه السلام)ونراه متفوقاً فی جمیع الصفات الأخلاقیة والإنسانیة نرى أنّ مثل هذا الإنسان مع عظیم علمه ومعرفته بحیث إنّ الإنسان الذی یقرأ «نهج البلاغة» ویتدبر فیه وفیما یتضمنه من معارف عمیقة وعلوم غزیرة لا یصدّق أن هذا الکتاب هو حصیلة ترشحات من فکر إنسان، ولهذا قیل عن نهج البلاغة : «دون کلام الخالق وأعلى من کلام المخلوق».

 الإمام علی مع ذلک القضاء العجیب والمحیّر فی أدق المشکلات والمحاکمات والذی نجح بأفضل وجه فی ردّ حقوق المظلومین...

 الإمام علی مع شدید عبادته وتقواه والتزامه الدینی بحیث إنه فی حال الصلاة لا یلتفت إلى شیء آخر سوى الله تعالى ولذلک کانوا فی الموارد التی لا یستطیعون معالجته فی غیر الصلاة ینتظرونه لیصلّی حتّى یخرجوا السهام من بدنه الشریف وهو غافل عنها...

 الإمام علی مع شهامته وشجاعته المحیّرة والتی تضرب بها الأمثال بحیث لم یغلب فی أیِّ حرب وقتال ولم یفر ولا مرّة واحدة من الأعداء...

 الإمام علی مع التزامه الشدید بالعدالة بحیث لا یمکن لأحد من الناس أن یخرجه عن حدّ العدالة وأخیراً استشهد بسبب هذا الإلتزام والإنضباط الأخلاقی بالعدالة.

 أجل، فإنّ الإمام علی (علیه السلام) بهذه الصفات والخصائص الاُخرى یمثل رمز الإنسان الکامل، وهذا الشخص قد آمن بنبی الإسلام (صلى الله علیه وآله)وجعل حیاته وقفاً لتبلیغ هذا الدین واعتبر نفسه عبداً من عبید محمّد، ألا یتبین لنا من خلال إیمان الإمام علی (علیه السلام) حقانیة إدّعاء النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)والرسالة السماویة ؟ وبهذا یکون الإمام علی شاهداً آخر على نبوّة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله).

 ونعتقد أن هذا الشاهد على نبوّة النبی محمّد (صلى الله علیه وآله) إلى درجة من الأهمّیة بحیث إنه لو فرضنا أن رسول الله (صلى الله علیه وآله) لم یأتِ بأی دلیل آخر سوى شهادة علی ابن أبی طالب لکفى.