یرى کثیر من علماء الشیعة وأهل السنّة أن الآیة مورد البحث نزلت فی حقِّ علیّ بن أبی طالب (علیه السلام)، حیث ذکروا هذا الموضوع فی کتبهم إلى درجة أن هذه الواقعة قد وصلت إلى حدّ التواتر، أی أنها من الکثرة بحیث لا یمکن إنکارها.
وخلاصة قصة لیلة المبیت کما یلی :
عندما أحسّ أعداء الإسلام ومشرکوا مکّة المعاندون بخطر الإسلام والدعوة السماویة بدأوا یتحرکون على مستوى التآمر والتخطیط لقمع هذا الدین الجدید فی المهد وطرحوا ثلاث خطط خطرة لمواجهة دعوة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، فقالوا : «إما أن نقتل هذا النبی، أو نلقیه فی السجن بحیث لا یتمکن أیُّ شخص من رؤیته والحدیث معه، أو نقوم بإبعاده عن أرض الحجاز»(1).
إنّ الشواهد التاریخیة تشیر إلى أنهم اختاروا الرأی الأوّل الذی هو أخطر الثلاثة، واختاروا من أجل تجسید هذه الفکرة على أرض الواقع الخارجی أربعین شخصاً من مختلف قبائل العرب یتصفون بالشجاعة والمهارة لیقوموا بمحاصرة بیت النبوّة لیلاً ثمّ یتمکنوا من قتل النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وهکذا صنع هؤلاء الأشخاص وجاءوا لیلاً وأحاطوا ببیت النبوّة ثمّ تسلّقوا الجدار أو نفذوا من کوة فیه وانتظروا حتّى تحین الفرصة المناسبة لقتل النبی.
ولکنّ الله تعالى أخبر نبیَّه الکریم بواسطة الوحی بمؤامرة المشرکین فعزم النبی (صلى الله علیه وآله)على الخروج من مکّة، ولکنه لتحقیق هذا الهدف والتخلّص من هذه المؤامرة الشیطانیة ینبغی أن یقوم بأمرین :
الأوّل : أن یقوم بالتوجّه إلى خارج مکّة وفی الطریق المعاکس لطریق المدینة، أی أنه بدلاً من أن یتوجّه شمالاً نحو المدینة فإنّه تحرک إلى الجنوب منها لکی لا یلتفت الأعداء إلى خروجه من مکّة وهجرته إلى المدینة ولیمنعهم من ملاحقته.
الثانی : لابدّ وأن یجد الشخص المناسب لینام فی مکانه لإیهام الأعداء بعدم خروج النبی من البیت فیؤخرهم عن ملاحقته والقبض علیه.
ولهذا الغرض قال لعلی ابن أبی طالب (علیه السلام) : «اتشح ببردی الأخضر ونم على فراشی».
فقال الإمام علی (علیه السلام) : إذا نمت على فراشک فهل ستنجو من الخطر وتصل إلى المدینة بسلام ؟(2)
فقال النبیّ : نعم یا علیّ، فسجد الإمام علی (علیه السلام) شکراً لله تعالى، ویقال أنها أول سجدة شکر کانت فی الإسلام.
وبعد أن وضع النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) علیّاً فی فراشه خرج من مکّة متستّراً وتحرّک إلى جهة الجنوب على عکس مسیر المدینة حتّى وصل إلى غار ثور، وبعد أن یأس الأعداء من العثور علیه تحرّک إلى المدینة ووصل إلیها بسلام.
لاشکّ أن لیلة المبیت کانت لیلة حسّاسة ومهمة جدّاً ومصیریة بالنسبة إلى الإسلام والمسلمین وکان بطل هذه اللیلة هو أمیرالمؤمنین (علیه السلام) وعندما کان النبی متوجّهاً إلى المدینة أوحى الله تعالى إلیه بهذه الآیة محل البحث حیث تحدّثت هذه الآیة عن إیثار وتضحیة الإمام علی (علیه السلام) العظیمة.