ینقل المحدّث البحرانی فی «غایة المرام» أربع وعشرین حدیثاً من منابع أهل السنّة، وتسعة عشر حدیثاً من منابع الشیعة فتشکل بمجموعها ثلاثة وأربعین حدیثاً، وعلیه فإنّ الروایات الواردة فی شأن هذه الآیة متواترة(1)، ومضافاً إلى ذلک فإنّ العلاّمة الأمینی أورد فی کتابه القیّم «الغدیر» روایات من عشرین مصدراً من المصادر الروائیة المعروفة لدى أهل السنّة تتحدّث فی شأن الآیة الشریفة محل البحث من قبیل تفسیر الطبری، تفسیر أسباب النزول، تفسیر الفخرالرازی، التذکرة لسبط ابن الجوزی، الصواعق لابن حجر، نور الأبصار للشبلنجی، وکذلک تفسیر ابن کثیر وغیرها من المصادر المعتبرة لدى أهل السنّة، وأما رواة هذه الأحادیث فهم عشرة أشخاص من الصحابة المعروفین.

 1 ـ ابن عباس، 2 ـ عمّار بن یاسر، 3 ـ جابر بن عبدالله الأنصاری، 4 ـ أبوذرّ الغفاری «الذی نقل أدقّ وأطول روایة فی هذا المجال»، 5 ـ أنس بن مالک، 6 ـ عبدالله ابن سلام، 7 ـ سلمة بن کهیل، 8 ـ عبدالله بن غالب، 9 ـ عقبة بن حکیم، 10 ـ عبدالله ابن أُبی.

 ومضافاً إلى ذلک فإنّه قد وردت روایات من الإمام علی (علیه السلام) أیضاً فی شأن نزول هذه الآیة الشریفة وقد استدلّ بها الإمام علیّ کراراً.

 وأما مضمون الروایات أعلاه فهو أنه : کان الإمام علی (علیه السلام) یوماً یصلی فی مسجد النبی، فدخل سائل إلى المسجد وطلب حاجته من المسلمین فلم یعطه أحد شیئ(2)، وکان الإمام فی حال الرکوع فأشار للسائل إلى خاتمه فجاء وانتزع الخاتم من إصبع الإمام وخرج من المسجد، فنزلت حینئذ الآیة الشریفة.

 وهذا المضمون للروایات الشریفة ورد فی أکثر من أربعین روایة من الروایات التی وردت فی شأن نزول الآیة محل البحث، ونحن نقتصر هنا على استعراض ثلاث روایات منها، وهی ما أورده الفخر الرازی فی تفسیره :

 1 ـ رَوى عَطا عن اِبْنِ عَبّاسْ أَنها نَزَلَتْ فِی عَلِیٍّ بْنِ أَبی طالِب(3).

 2 ـ روی أن عبدالله بن سلام قال : لَمّا نَزَلَتْ هذِهِ الآیَةُ، قُلْتُ : یا رَسُولَ اللهِ أَنَا رَأَیْتُ عَلِیّاً تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ عَلى مُحْتاج وَهُوَ راکِعٌ فَنَحْنُ نَتَوَلاّهُ(4).

 3 ـ وهی الروایة الأهم من بین الروایات فی هذا الباب وهی نقلاً عن أبی ذرّ الغفاری وهذه الروایة أوردها الفخر الرازی عن أبی ذرّ أنه قال :

 قالَ : صَلَّیْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله علیه وآله) یَوْماً صَلاةَ الظُّهْرِ، فَسَأَلَ سائِلٌ فِی الْمَسْجِدِ فَلَمْ یُعْطِهِ أَحَدٌ فَرَفَعَ السّائِلُ یَدَهُ إلَى السَّماءِ وَقَالَ : «اللّهُمَّ اشْهَدْ اَنِّی سَأَلْتُ فِی مَسْجِدِ الرَّسُولِ فَما أَعْطانِی أَحَدٌ شَیْئاً !» وَعَلِیٌّ کَانَ راکِعاً، فَأَوْمَأ إلَیْهِ بِخِنْصِرِهِ الْیُمْنى وَکَانَ فِیها خَاتَمٌ فَأَقْبَلَ السّائِلُ حَتّى أَخَذَ الْخاتَمَ بِمَرْأى النَّبِیُّ (صلى الله علیه وآله) فَقالَ (صلى الله علیه وآله) : اللَّهُمَّ اِنَّ أَخِی مُوسى سأَلَکَ فَقالَ : (رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی * وَیَسِّرْ لِی أَمْری * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِی * یَفْقَهُوا قَوْلِی * وَاجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی * هارُونَ أَخِی * اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِی * وَأَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی)(5)فَأَنْزَلْتَ قُرْآناً ناطِقاً : (سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِاَخیکَ وَنَجْعَلُ لَکُما سُلْطاناً)(6) اللّهُمَّ وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِیُّکَ وَصَفِیُّکَ فَاشْرَحْ لِی صَدْرِی وَیَسِّرْ لِی أَمْرِی وَاجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی، عَلِیّاً، اُشْدُدْ بِهِ ظَهْرِی. قَالَ أَبُو ذَر : فَوَاللهِ مَا أَتَمَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله علیه وآله) هِذِه الْکَلِمَةِ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَئیلُ، فَقالَ : یا مُحَمَّدُ : إِقْرَأ (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ...).(7)

 وبعد أن ینقل الفخرالرازی هذه الروایات الثلاثة یقول : إنّ جمیع الروایات الواردة فی هذه المسألة هی هذه الروایات الثلاثة فقط.

1 . عندما تکون الروایات فی مورد معیّن من الکثرة بحیث یحصل للشخص الیقین بمضمونها فمثل هذه الروایات تسمى «متواترة» ولا حاجة حینئذ للتحقیق فی سندها.
2 . حیث کان الوضع المادی والإقتصادی للمسلمین فی ذلک الوقت عسیراً وکانوا یعیشون فی ضائقة شدیدة حتّى فی ضروریات الحیاة.
3 و 4 ـ التفسیر الکبیر : ج 12، ص 26.
5 . سورة طه : الآیات 25 ـ 32
6 . سورة القصص : الآیة 35.
7 . التفسیر الکبیر : ج 12، ص 26.