إنّ أهم رأس مال للقادة السیاسیین والإجتماعیین فی مختلف المجتمعات البشریة هو ما یتمتعون به من محبّة فی قلوب الناس، بحیث إنّ المشاریع والاطروحات الإجتماعیة المهمّة لا تتحقق بدون وجود هذه العاطفة والإنجذاب نحو القائد فی عرصات المجتمع وعلى مستوى الجمهور.
ولهذا فإنّ مشارکة الناس فی الاُمور الإجتماعیة والسیاسیة والثقافیة وحتّى العسکریة یعدّ أمراً ضروریاً جدّاً فی عملیة الإصلاح الإجتماعی أو نجاح الحکومة، ومن أجل تحصیل هذه الغایة فلابدّ من النفوذ إلى قلوب الناس وجذب مودّتهم وکسب حبّهم، وعندما نرى أن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قد نجح فی مدّة قصیرة أن ینشر دعوته السماویة إلى شرق العالم وغربه ویوحّد قلوب المسلمین ویزیل عنهم الأحقاد والتعصّبات القدیمة ویشکّل جیشاً موحّداً وقویّاً استطاع بواسطته أن یوصل دعوته الإلهیة إلى شتّى بقاع المعمورة فإنّ ذلک کان بسبب أخلاقه السامیة ونفوذه العجیب فی قلوب الناس من المسلمین وغیر المسلمین کما یحدّثنا القرآن الکریم عن هذه الحقیقة ویقول :
(فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ).(1)
وهکذا بالنسبة إلى النبی إبراهیم (علیه السلام) عندما هاجر بأمر من الله تعالى إلى مکّة وأسکن زوجته وطفله الرضیع فی أرض قاحلة لا ماء فیها ولا غذاء ومن دون زاد ومتاع إلى جانب بیت الله الحرام، رفع یدیه للدعاء وقال :
(رَبَّنا اِنّی اَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِیَّتِی بِواد غَیْرَ ذِی زَرْع عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ اَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوی اِلَیْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ).(2)
فکان إبراهیم (علیه السلام) یعلم أن النفوذ إلى القلوب هو أعظم رأس مال للإنسان ولهذا طلب من الله تعالى أن یجعل محبّة أهل بیته فی قلوب الناس.
الإمام الخمینی (رحمه الله) بدوره لم یکن لدیه منذ بدایة الثورة ولآخر یوم من أیامها سلاحاً مهمّاً من الأسلحة المتعارفة لیواجه بها أعوان الشاه وجیشه المسلّح، ولکنه کان یمتلک سلاحاً أقوى فاعلیّة وأمضى قوّة من جمیع الأسلحة المتطورة لطاغوت زمانه، وهو المحبّة فی قلوب الناس وتعاطف الجماهیر مع دعوته الإلهیة، والخلاصة أن عنصر النفوذ فی القلب یعدّ أهم رأس مال للقادة والمصلحین فی سائر المجتمعات البشریة.
1 . سورة آل عمران : الآیة 159.
2 . سورة إبراهیم : الآیة 37.
