بالرغم من أن مفهوم الآیة الشریفة مورد البحث عام وشامل لکلِّ مؤمن یعمل الأعمال الصالحة حیث ینتج هذا الإیمان والعمل الصالح المحبّة فی قلوب الناس، ولکن بلا شک أن المصداق الأکمل والأدق لهذه الآیة الشریفة هو أمیرالمؤمنین (علیه السلام)، کما ورد التصریح بذلک فی کتب أهل السنّة المختلفة رغم سعی البعض لإنکار هذه الحقیقة الواضحة.

 ویقول العلاّمة الحلّی فی کتاب «احقاق الحقّ»(1) فی شأن نزول الآیة المذکورة أنها نزلت فی حقّ علی بن أبی طالب (علیه السلام)، ولکن القاضی روزبهان من علماء أهل السنّة یردّ على کلام العلاّمة هذا ویقول :

 لیس هذه الروایة فی تفسیر أهل السنّة، وإن صحت دلّت على وجوب محبّته وهو واجب بالاتّفاق(2).

 والملفت للنظر أن المحققین من الشیعة ذکروا فی هامش الکتاب المذکور «احقاق الحقّ» نقلاً عن 17 کتاب من کتب أهل السنّة أن روایات تتعلق بالإمام علی (علیه السلام) فی هذا المورد، من بین هذه الکتب ستة منها من کتب التفسیر، فکیف یبرر مثل هذا التناقض فی کلمات علماء أهل السنّة ؟ هل أن القاضی روزبهان لم یقرأ هذه الکتب، أو أنه قرأها ولکن حجاب التعصّب والعناد منعه من قبول هذه الروایات ؟

 وعلى أیّة حال فالکتب المذکورة هی ما یلی :

 1 ـ تفسیر الثعلبی(3).

 2 ـ تفسیر الکشّاف لمؤلفه الزمخشری المفسّر المعروف لدى أهل السنّة(4).

 3 ـ تفسیر العلاّمة النیشابوری والذی ورد فی هامش تفسیر الطبری(5).

 4 ـ السیوطی فی الدرّ المنثور(6).

 5 ـ العلاّمة الشوکانی فی تفسیره(7).

 6 ـ الآلوسی فی روح المعانی(8).

 ونکتفی فی ذکر روایتین من هذه الکتب المذکورة :

 الف : ما أورده «روح المعانی» أن البراء بن عازب الصحابی المعروف قال : قالَ رَسُولُ الله (صلى الله علیه وآله) لِعَلِیٍّ کَرَّمَ اللهُ تَعالى وَجْهَهُ : «قُلِ اللّهُمَّ اجْعَلْ لِی عِنْدَکَ عَهْداً وَاجْعَلْ لِی فِی صُدُورِ الْمُؤْمِنینَ وُدّاً» فَاَنْزَلَ اللهُ سُبْحانَهُ هذِهِ الاْیَةَ.

 وَکانَ مُحَمَّدُ بْنُ الحنفیّة (رضی الله عنه) یَقُولُ : لا تَجِدُ مُؤْمِناً اِلاّ وَهُوَ یُحِبُّ عَلِیّاً کَرَّمَ اللهُ تَعالى وَجْهَهُ وَاَهْلَ بَیْتِهِ(9).

 سؤال : ما هو المراد من العهد المذکور فی هذه الروایة ؟

 الجواب : یحتمل أن یکون هذا العهد هو ما ورد فی آیة سابقة قبل هذه الآیة محل البحث، أی الآیة 87 من سورة مریم حیث ورد فیها :

 (لا یَمِْلکُونَ الشَّفاعَةَ اِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً).

 وعلیه فالمراد من العهد هو الشفاعة، فالنبی الأکرم یقول للإمام علی (علیه السلام) : اُطلب من الله تعالى أن تنال مقام الشفاعة وأن یجعل محبّتک فی قلوب المؤمنین وهی المحبّة التی وردت فی دعاء إبراهیم الخلیل واستمرت إلى زمان نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) وستبقى إلى یوم القیامة.

 ب : ویذکر العلاّمة الشوکانی نقلاً عن الطبرانی عن ابن عبّاس إنه قال :

 نَزَلَتْ فِی عَلِیِّ بْنِ اَبی طَالِب (اِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ...) قالَ مَحَبَّةً فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنینَ(10).

 وعلى أیّة حال فقد رأینا أن هذه الآیة الشریفة تقرر وجود رابطة وثیقة بین الإیمان والعمل الصالح من جهة والمحبّة فی قلوب الناس من جهة اُخرى، وطبقاً للروایات الواردة فإنّ المصداق الأکمل لها هو أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام).

1 . یعتبر کتاب «إحقاق الحقّ» من الکتب القیّمة والمهمّة جدّاً لدى الشیعة، ویحتوی على أربعة أقسام، ومؤلفه العلاّمة الحلّی، وقد کتب القاضی روزبهان من علماء أهل السنّة ردّاً على هذا الکتاب ثمّ ادرجه ضمن الکتاب، ثمّ إن القاضی نورالله التستری کتب ردّاً على ما ذکره القاضی روزبهان وأیّد العلاّمة الحلّی وتم ادراج ردّه أیضاً ضمن الکتاب، وأخیراً قام آیة الله العظمى المرعشی النجفی وبمساعدة بعض الفضلاء من أصحابه بإضافة هوامش مفیدة على هذا الکتاب وتم طبعه ونشره بصورة نهائیة.

 

2 . احقاق الحقّ : ج 3، ص 87 .
3 . تفسیر الثعلبی : ص 151 نقلاً عن احقاق الحقّ : ج 3، ص 82 .
4 . الکشّاف : ج 2، ص 425 نقلاً عن احقاق الحقّ : ج 3، ص 83 .
5 . تفسیر الطبری : ج 16، ص 74 نقلاً عن احقاق الحقّ : ج 3، ص 84 .
6 . الدرّ المنثور : ج 4، ص 487 نقلاً عن احقاق الحقّ : ج 3، ص 85 .
7 . تفسیر الشوکانی : ج 3، ص 342 نقلاً عن احقاق الحقّ : ج 3، ص 86 .
8 . روح المعانی : ج 16، ص 130 نقلاً عن احقاق الحقّ : ج 3، ص 86 .
9 . احقاق الحقّ : ج 3، ص 86 .
10 . نفس المصدر السابق.