إنّ الآیات الاُولى من سورة التوبة نزلت فی أواخر السنة التاسعة للهجرة یعنی سنة واحدة قبل وفاة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وطبقاً لما ذکره المفسّرون فإنّ النبی (صلى الله علیه وآله)فی هذه السنة وعلى أساس التعلیمات الواردة فی هذه الآیات أمر الإمام علی (علیه السلام)(1) بالتوجه إلى مکّة فی مراسم الحجّ والإعلان عن أربعة اُمور :
1 ـ أنه لا یحقّ بعد هذا العام وهو العام التاسع للهجرة أن یطوف بعض الناس وهم عراة.
سؤال : وهل أن البعض یطوف حول البیت عاریاً إلى ذلک الزمان ولماذا ؟
الجواب : نعم فإن بعض الرجال وحتّى بعض النساء کانوا یطوفون حول البیت وهم عراة تماماً لأنّ أحد عقائد الوثنیین الخرافیة هی أنه إذا طاف الشخص بثیابه یجب علیه أن یتصدّق بهذه الثیاب على الفقیر، ولهذا السبب فإنّ الأشخاص الذین لم یکن لدیهم سوى ثوب واحد کانوا یقومون باقتراض ثوب لهم من شخص آخر حین الطواف ویطوفون به لکی لا یشملهم الحکم المذکور. وأما الأشخاص الذین لم یتهیأ لهم اقتراض ثوب من شخص آخر ولا یرغبون فی التصدّق بثوبهم کانوا یطوفون وهم عراة تماماً.
2 ـ انه لا یحقّ للمشرکین وعبّاد الأوثان الطواف بالکعبة بعد هذا العام.
سؤال : ألیس الإسلام یرى الحریة فی العقیدة، إذن لماذا منع أتباع سائر الأدیان بالطواف حول الکعبة ؟
الجواب : إنّ الإسلام یرى حریة المذاهب والأدیان ولکن الشرک وعبادة الأوثان لا یحسب دیناً ومذهباً بل هو مجموعة من العقائد التی تقوم على أساس خرافی.
3 ـ إنّ المسلمین یلتزمون بعهودهم ومواثیقهم مع المشرکین إلى آخر المهلة المقررة فی المیثاق ولکنهم بعد ذلک لا یقومون بتجدید هذا العهد والمیثاق مع المشرکین.
4 ـ إنّ المشرکین الذین لا تربطهم مع المسلمین رابطة عهد ومیثاق سوف یُمهلون لمدّة أربعة أشهر لأصلاح عقائدهم ونبذ الشرک وعبادة الأوثان وإلاّ فإنهم سیتعرضون لقتال المسلمین.
وعلى أیّة حال فانّ الآیات الاُولى من سورة التوبة والتی وردت الإشارة إلى مضمونها نزلت فی أواخر السنة التاسعة للهجرة، ویحتمل قویاً أن بقیة سورة البراءة ومنها هذه الآیة محل البحث نزلت فی السنة التاسعة للهجرة، أی فی السنة الأخیرة من عمر النبیّ الأکرم (صلى الله علیه وآله).
وعلى هذا الأساس فإنّ «آیة الصادقین» نزلت فی أواخر عمر النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)وبذلک عملت على تهیئة الأرضیّة اللازمة لولایة وخلافة أمیرالمؤمنین (علیه السلام).
1 . یتفق جمیع المفسّرین والمؤرّخین تقریباً على أنه لما نزلت الآیات الاُولى من سورة براءة وفیها الغاء للعهود مع المشرکین، أمر رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی البدایة أبابکر بابلاغها إلى الناس فی وقت الحجّ فی مکّة، ثمّ أخذها منه وسلّمها إلى علی (علیه السلام) وأمره بابلاغها فی مراسم الحجّ (وتفصیل الواقعة التاریخیة التی أراد البعض إخفاءها، مذکورة فی التفسیر الأمثل : ج 5، بدایة سورة التوبة).
