السؤال : هل کان علیّ ابن أبی طالب (علیه السلام)بالغاً عندما تشرّف بدین الإسلام ؟ فلو لم یکن قد وصل سنّ البلوغ فهل یعتبر إیمانه فی هذه السنّ فضیلة لیقال أنه أوّل المسلمین إسلاماً ؟

 الجواب : وفی الجواب على هذا السؤال ینبغی تقدیم نقطتین :

 الاُولى : إذا لم یکن الإنسان قد وصل إلى سنّ البلوغ ولکنه مع ذلک یعتبر صبیّاً ذکیّاً وعاقلاً وممیّزاً بین الخیر والشر والحسن والقبیح، فبنظرنا أن إیمان مثل هذا الشخص مقبول، ولیس فقط أنه مقبول على مستوى الإیمان، بل کما یقول الفقهاء أن عبادات هذا الصبی الممیّز صحیحة وصلاته، صومه، حجّه وعمرته وسائر العبادات التی قد یأتی بها مراعیاً لجمیع الشروط والأرکان صحیحة ومقبولة.

 وبتعبیر فقهاء الإسلام إنّ عبادات هذا الشخص شرعیّة لا تمرینیة(1)، وعلیه فعندما تکون عبادات الصبی غیر البالغ صحیحة وشرعیة فإیمانه مقبول بطریق أولى، والنتیجة هی أن إیمان الصبی الممیّز قبل البلوغ مقبول.

 ومضافاً إلى ذلک فنحن نعتقد أن مثل هؤلاء الصبیة المراهقین مسؤولون فی مقابل الذنوب والمعاصی ولا یمکن صرف هذه المسؤولیة عنهم لمجرد عدم بلوغهم سنّ التکلیف وإعطاءهم الضوء الأخضر لأرتکاب الذنوب، ولهذا فلو أنّ الصبی الممیّز الذی لم یبلغ سنّ التکلیف کان یعلم جیّداً أن قتل إنسان بریء هو عمل قبیح فارتکب هذا العمل وقتل بریئاً فإنه یضمن دیّته وهو مسؤول أمام الله تعالى.

 النتیجة هی أن الشخص غیر البالغ إذا کان عاقلاً وممیّزاً فإنّ إیمانه مقبول، وعلیه فإنّ البلوغ لیس شرطاً لقبول الإسلام والإیمان.

 الثانیة : لقد وصل بعض الأنبیاء الإلهیین فی سنّ الطفولة إلى مقام النبوّة، فکیف لا یکون البلوغ شرطاً فی مقام النبوّة الذی هو أعلى کثیراً من قبول مجرد الإیمان، ولکنه یکون شرطاً فی قبول الإسلام ؟ ونکتفی بذکر مثالین لنیل مقام النبوّة فی مرحلة الطفولة :

 1 ـ النبی یحیى (علیه السلام) وصل إلى النبوّة فی سنّ الطفولة، وقد ذکر الله تعالى ذلک فی الآیة 12 من سورة مریم وقال :

 (یا یَحْیى خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّة وَآتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیّاً).

 2 ـ النبی عیسى (علیه السلام) أیضاً وصل مرتبة النبوّة فی سنّ الطفولة کما یحدّثنا القرآن الکریم فی الآیة 30 من سورة مریم على لسان هذا النبی ویقول :

 (قالَ اِنّی عَبْدُ اللهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَجَعَلَنِی نَبِیّاً).

 وعندما یؤکد هذا النبی الکریم على أنه عبدالله فمن أجل أن النصارى لا یتخذونه بعد ذلک إبناً لله تعالى، وعندما یقول «جعلنی» ولم یقل «یجعلنی» فإنّما ذلک لأنه نال هذه المرتبة السامیة، أی مرتبة النبوّة فی مرحلة الطفولة.

 وقد ورد عن بعض الأنبیاء أنهم نالوا هذا المقام أیضاً فی مرتبة الطفولة(2).

 والخلاصة أنه عندما لا یشترط فی النبوّة سنّ خاصّ وهی ذلک المقام الرفیع فبطریق أولى لا یشترط فی الإیمان وقبول الإسلام سنٌّ خاصّ کالبلوغ.

 الثالثة : إنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) کان مأموراً فی أوّل البعثة ولمدّة ثلاث سنوات أن یدعو عشیرته الأقربین ویعرض الإسلام علیهم، أی بعد أن دعاهم إلى الإسلام فی هذه السنوات الثلاث بصورة خفیة وسریّة(3) وآمن أفراد قلائل به، اُمر النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) بتبلیغ الرسالة بصورة علنیة، ولذلک أمر النبی علیّاً (علیه السلام) أن یهیّئ مقدمات الضیافة لقومه وأمره أن یهیّئ طعاماً مناسباً بمعونة غیره من المسلمین ودعا رؤساء قومه وعشیرته إلى ذلک المجلس، فحضر الضیوف وتناولوا الطعام وبعد الإنتهاء من تناول الطعام قام النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)وعرض دینه الجدید علیهم وأخبرهم بأنه رسول من الله تعالى إلیهم ثمّ قال : «أیّکم یؤازرنی على هذا الأمر ویکون أخی ووصیّی وخلیفتی من بعدی» فأحجموا کلّهم ولم یستجب أحد لطلبه غیر علی(علیه السلام) وکرر النبی دعوته لهم ثلاثاً وفی کلّ مرّة لم یستجب له غیر علی (علیه السلام)فقال النبی (صلى الله علیه وآله) لهم :

 «اِنَّ هذَا اَخِی وَوَصِیّی وَخَلیفَتی عَلَیْکُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَاَطیعُوهُ».(4)

 وطبقاً لنظر ورأی من یعتقد بأن علیّ بن أبی طالب کان له من العمر عندما أسلم عشر سنوات ولهذا فإنّ إیمانه غیر معتبر ولیس له قیمة، فهذا یعنی أن الإمام کان له من العمر فی هذه الواقعة ثلاثة عشر سنة، فلو لم تکن قیمة لإیمان علیّ بن أبی طالب فی هذا السنّ إذن فلماذا قال فی حقّه النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)هذه العبارات الجذّابة واعتبره خلیفة له ؟ !

 إنّ من یشک فی هذه الفضیلة فهو فی الحقیقة یشک فی اعتبار قول النبی (صلى الله علیه وآله)وفعله، ولو قیل أن مثل هذا الکلام یکون له اعتبار فیما لو کان الإمام له من العمر ثلاثة عشر سنة، فیجب أن نقبل هذه الحقیقة وهی أن إیمان علی حتّى لو کان فی سنّ العاشرة من العمر فهو ذو قیمة واعتبار.

 الرابعة : ومضافاً إلى ما تقدّم لا نرى أن مسألة عدم بلوغ الإمام علی (علیه السلام) فی هذه الواقعة حقیقة مسلّمة وقطعیة، بل هناک اختلاف بین علماء الإسلام فی هذه المسألة، کما ذکر صاحب مستدرک الصحیحین مشیراً إلى هذا المطلب فی الأبحاث السابقة، ولابأس باستعراض بعض نظرات وآراء علماء الإسلام فی هذه المسألة :

 الف : یقول ابن عبدالبر فی کتاب «الإستیعاب» المجلد 2، الصفحة 471 :

 أوّل من أسلم بعد خدیجة علیّ بن أبی طالب وهو ابن خمس عشر سنة أو ستّ عشر سنة(5).

 ب : ویذکر صاحب کتاب «اُسد الغابة فی معرفة الصحابة» فی المجلد 4، الصفحة 17 ثلاث نظریات فی هذا المجال، وطبقاً لإحدى هذه النظریات أن عمر الإمام فی ذلک الوقت کان خمسة عشر سنة.

 ج : ویتعرض العلاّمة المجلسی أیضاً إلى هذه المسألة وینقل سبعة أقوال حوله(6).

 وعلى هذا الأساس فإنّ عدم بلوغ الإمام علی (علیه السلام) حین تشرّفه بالإسلام لا یعتبر مسألة قطعیة ومسلّمة بل هناک اختلاف فی وجهات النظر بین علماء الإسلام.

 والخلاصة هی أن الروایات الکثیرة والمتواترة تشهد على أن الإمام علی (علیه السلام)أوّل رجل اعتنق الإسلام وآمن بالرسول (صلى الله علیه وآله)وبذل النصرة وعلى فرض قبول عدم بلوغه فی ذلک الوقت فإن ذلک لا یقلل شیئاً من هذه الفضیلة.

1 . وقد أشار السیّد الیزدی إلى هذه المسألة فی کتاب «العروة الوثقى» : ج 2، ص 217.

 

2 . یقول العلاّمة المجلسی نقلاً عن أهل السنّة : إن النبی سلیمان ودانیال بعثا للنبوة فی مرحلة الطفولة. (بحار الأنوار : ج 38، ص 236).
3 . الأشخاص الذین یعترضون على الشیعة فی مسألة التقیّة ما هو تفسیرهم للدعوة السریة للنبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)ولمدّة ثلاث سنوات ؟ ألا یعد سلوک النبی فی تلک المدّة من التقیة لیزداد قوّة وأنصاراً ؟ وعلى هذا الأساس فالتقیة تعنی تغییر فی الاُسلوب لحفظ وتقویة رجال الدعوة ریثما تحین الفرصة المناسبة، وهذا هو الذی تقوله الشیعة وقد ورد هذا المعنى فی النصوص الدینیة وسیرة النبی (صلى الله علیه وآله).
4 . تاریخ الطبری : ج 2، ص 62; تاریخ الکامل : ج 2، ص 40; مسند أحمد : ج 1، ص 111 نقلاً عن فروغ أبدیة : ج 1، ص 259.
5 . وقد ذکر فی الإستیعاب ثمانیة أقوال فی عمر الإمام علی عندما تشرّف بالإسلام، والکلام المذکور أعلاه یشیر إلى قولین من هذه الأقوال.
6 . بحار الأنوار : ج 38، ص 7 و 236.;