وعلى رغم القرائن والشواهد البیّنة فی هذه الآیة الشریفة «والتی سبق ذکرها» والروایات المتعددة الواردة فی مصادر الشیعة والسنّة فإنّ بعض المحدّثین وبسبب التعصّب والعناد قد فسّروا الآیة الشریفة وفقاً لمیولهم النفسانیة وخرجوا عن منهج البحث المنطقی، ومن هؤلاء «الآلوسی» المفسّر السنّی المعروف وکاتب تفسیر «روح المعانی» الکبیر فقد ذکر فی تفسیر الآیة 67 من سورة المائدة عن واقعة الغدیر وقال :
«فقد اعتنى بحدیث الغدیر أبوجعفر بن جریر الطبری فجمع فیه مجلدین أورد فیهما سائر طرقه وألفاظه وصاغ الغث والسمین والصحیح والسقیم على ما جرت به عادة الکثیر من المحدّثین، فإنهم یوردون ما وقع لهم فی الباب من غیر تمییز بین الصحیح والضعیف، وکذلک الحافظ أبو القاسم ابن عساکر أورد أحادیث کثیرة فی هذه الخطبة (ولکننا نقبل من الأحادیث التی ذکرها إلاّ ما کان لا یتحدث عن خلافة علی)»(1).
وهذا الکلام یثیر العجب والحیرة لدى کلّ إنسان منصف.
فهل یمکننا الإعراض عن کتاب بأجمعه بسبب وجود بعض الأحادیث الضعیفة وغیر معتبرة فیه ؟
ألا توجد روایات ضعیفة وأحادیث غیر معتبرة فی المصادر الحدیثیة لأهل السنّة ؟
هل یصحّ أن ترفض جمیع هذه المصادر بهذه الذریعة الواهیة ؟
الإنصاف أن هذا الکلام هو کلام مضحک ولکن ما هو أسوأ منه هو کلامه عن روایات ابن عساکر الذی یحکی عن منتهى العناد والتعصّب والعداوة مع الحقّ والحقیقة وأهل البیت (علیهم السلام)، ففی أیّ مکان من العالم یقول أحد الأشخاص : إننی أقبل فقط کلّ ما یتفق مع میولی وهوى نفسی ولا أقبل ما یخالف ذلک ؟
هل یقبل هذا الکلام من الإنسان العادی فکیف یقبل من عالم کبیر مثل الآلوسی ؟
ولعلّ القارئ العزیز یتعجب کثیراً ویتساءل أن شخصاً کالآلوسی کیف یتحدّث بمثل هذا الحدیث الضعیف والکلام الواهی ؟ ولکن فی مقام الجواب نقول إن کلّ إنسان یقف فی مقام القضاء ولا یتجنب المسبوقات الفکریة والرسوبات الذهنیة فإنّه قد یقع بمثل هذا المصیر.
1 . روح المعانی : ج 6، ص 195.
