العبارة أعلاه تبیّن حقیقة وهى أنّ أصحاب الباطل وإن إتّحدوا فی بادىء الأمر من أجل تحقیق أهدافهم، إلاّ أنّهم ما إن ینتصروا ویتمکنوا حتى یسعى کل منهم لإزالة الآخر والتفرد بتناول ثمرة شجرة النجاح والنموذج البارز لذلک الإتحاد طلحة والزبیر فی معرکة الجمل والذی یشکل الموضوع الرئیسی لهذه الخطبة، والطریف فی الأمر أنّ بوادر هذه المنافسة الهدامة قد لاحت حتى قبل شروع المعرکة.
فقد نقل ابن أبی الحدید عن المؤرخین أنّ خلافاً وقع بینهما قبل الجمل بشأن إمامة العسکر، ولمّا إشتد النزاع بینهما تدخلت عائشة فأمرت أن تصلی یوماً محمد بن طلحة وآخر عبدالله بن الزبیر حتى تنتهی المعرکة(1).
من جانب آخر سأل طلحة عائشة أن یسلم علیه الناس بصفته أمیرالمؤمنین، کما سألها الزبیر ذلک، فسلّمت عائشة علیهما بأمیرالمؤمنین، کما اختلفا فی إمرة الجیش فقد أراد طلحة الإمرة، بینما رأى الزبیر نفسه الأجدر به(2)، وکل هذه الاُمور شواهد حیّة على ما أخبر به الإمام (علیه السلام) فی هذه الخطبة حین قال کل واحد منها یرجو الأمر له ویفکر فی القضاء على صاحبه، فلیس هناک من دافع إلهی، ولا تؤدّی الدوافع النفسانیة سوى إلى الاحتکار دائماً.