أعظم الفضائل

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثانیالقسم الثالث

بعد أن فرغ الإمام (علیه السلام) عن تلک المقدمة الرصینة والوثیقة فی المقطع الأول من هذه الخطبة، إتجه إلى أهمّ فضیلة من الفضائل التی یکتسبها الإنسان وهى التقوى، فقد أشار فی البدایة إلى آثارها الاُخرویة، فقال: «أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللّهِ بِتَقْوَى اللّهِ الَّتی هِیَ الزَّادُ وَبِهَا الْمَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ، وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ».

من البدیهی أنّ یحتاج الإنسان فی أسفاره الطویلة الملیئة بالأخطار والمخاوف إلى شیئین: الزاد والمتاع اللازم والمنازل والأماکن التی تحفظه من المخاطر، وهو ما صرّح به القرآن الکریم بقوله: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوَى...)(1).

وما اقتصه من خبر یوسف (علیه السلام) حین لاذ بالتقوى کسبیل للنجاة حین وقف على حافة خطر هاویة الذنب: (قَالَ مَعَاذَ اللهِ...)(2).

حقاً إنّ التقوى کهف حصین وأمین وراسخ إزاء السیول الجارفة لأهواء النفس ووساوس الشیطان وحصن حصین للنجاة من نار جهنّم یوم القیامة وأفضل زاد ومتاع فی هذا السفر الملیء بالخوف والخطر.

ثم واصل (علیه السلام) کلامه بالحدیث عن أهمیّة التقوى فی أنّ من دعا إلیها أسمع داع نافذ الکلمة (إشارة الله تبارک وتعالى، أو النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، أو جمیع الأنبیاء والأولیاء) وقد وعى تلک الدعوة خیر واع (إشارة إلى کافة التقاة وأتباع مدارس الأنبیاء): «دَعَا إِلَیْهَا أَسْمَعُ دَاع، وَوَعَاهَا خَیْرُ وَاع. فَأَسْمَعَ دَاعِیهَا وَفَازَ وَاعِیهَا».

ذهب البعض إلى أنّ المراد بالداع إلى التقوى قد یکون الله سبحانه وتعالى أو شخص النبی(صلى الله علیه وآله) الذی ینطق عن الله تعالى، والمقصود بواع التقوى هو علی (علیه السلام)، ولا یبعد أن یکون لهما مفهوم عام یشمل جمیع دعاة الحق ووعاته، على أنّ المنبع الأصلی هو الحق تبارک وتعالى والنبی(صلى الله علیه وآله) وإمام المتقین علی بن أبی طالب(علیه السلام).

ثم خاض (علیه السلام) فی الآثار القیّمة للتقوى فی خاصة عباد الله فقال: «عِبَادَ اللّهِ، إِنَّ تَقْوَى اللّهِ حَمَتْ(3) أَوْلِیَاءَ اللّهِ مَحَارِمَهُ. وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسْهَرَتْ لَیَالِیَهُمْ، وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ(4)».

طبعاً العبارتان المذکورتان بشأن اللیل والنهار هما تعبیران کنائیان لطیفان، حیث المراد أصحاب اللیل الذین یفیقون فی جوف اللیل، فیقومون للعبادة والتهجد وقد أحجموا عن النوم وانهمکوا بالدعاء والمناجاة، إلى جانب صومهم نهارهم وذکرهم الله على کل حال، فالعبارة تشیر إلى أنّ تقوى الله هى مادة الحرکة نحو جمیع الفضائل والخیرات، وذلک لأنّ الإنسان حین یشعر بالمسؤولیة ینطلق فی الحرکة نحو إمتثال الطاعات واجتناب المعاصی والمحرمات، وما إحیاء اللیل والصوم إلاّ جانب من آثار خشیة الله تعالى التی تسمى بالتقوى.

ثم إختتم هذا المقطع من الخطبة بوصف طریقة عبودیتهم لربّهم بأنّهم آثروا المشقة والتعب على الراحة والکسل والعطش على الریّ، وقد شعروا بقصر الدنیا ودنو الأجل وهذا ما دعاهم إلى المسارعة فی الخیرات ومبادرة الأعمال الصالحة، وعدم الخلود إلى الأمل بعد أن جعلوا الموت نصب أعینهم: «فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ(5)، وَالرِّیَّ(6) بِالظَّمَإِ. وَاسْتَقْرَبُوا الاَْجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وَکَذَّبُوا الاَْمَلَ فَلاحَظُوا الاَْجَلَ».

نعم، ففی الوقت الذی ینغمس فیه أهل الدعة والراحة فی مختلف الذنوب والأرجاس ترى هؤلاء یغضون الطرف عن الراحة بهدف مجانبة الذنوب والإتیان بالصالحات، وهم لیسوا کأهل الدنیا الذین خدعوا بها فوقعوا فی حبائلها وآمالها الکاذبة.

والواقع هو أنّ العبارة «فبادروا» و«فلاحظوا» هى نتیجة ومعلول للعبارة «واستقربوا» و«کذبوا» یعنی من یرى قرب الأجل وسرعة العمر یبادر بالعمل، ومن یکذب الآمال یفکر بالموت ویراه أمام عینیه، والطبع فانّ تحمل مصاعب وشدائد هذا العالم یؤدّی إلى سکینتهم الخالدة واستقرارهم التام، وهو ما عبّر عنه الإمام (علیه السلام) فی موضع آخر بقوله: «صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَةً»(7).


1. سورة البقرة / 179.
2. سورة یوسف / 23.
3. «حمت»: من مادة «حمایة» بمعنى المنع، ولذلک یقال الحامی للذی یمنع عن الآخرین الخصوم والأعداء.
4. «هواجر»: جمع «هاجرة» وسط النهار فی الجو الحار.
5. «نصب»: بمعنى العناء والتعب.
6. «الریّ»: بمعنى الارتواء من الماء.
7. نهج البلاغة، الخطبة 193 (همّام).

 

القسم الثانیالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma