وردت عدّة أبحاث فی الکتب الفلسفیة والکلامیة والتفسیریة بشأن فلسفة الآفات والبلاء، فالذی یستفاد من القرآن الکریم هو تشدید البلاء على الاُمم حین ظهور الأنبیاء بغیة إیقاظهم، حیث صرّح القرآن الکریم قائلاً: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِی قَرْیَة مِنْ نَبِىّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ)(1).
فالآیة تشیر إلى أنّ هذا القانون عام ودائمی یهدف إلى الاستعداد لتقبل دعوة الأنبیاء، فکانت تقع الحوادث الألیمة من جانب الله طیلة تاریخ الاُمم وحین بروز الغفلة وذلک بهدف القضاء على تلک الغفلة وایقاظ تلک الاُمم، وربّما تکون هذه الحوادث الألیمة والمفجعة نتیجة لذنوب الناس، والهدف أیضاً الفساد والإنابة والعودة إلى الله، فقد جاء فی الآیة القرآنیة: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ)(2).
وهکذا یتضح أنّ أحد طرق التربیة الإلهیّة هو هذه الحوادث الألیمة الطبیعیة أو الاجتماعیة، والقحط یمکن أن یکون أحد هذه الحوادث، کما أشار الإمام (علیه السلام) إلى ذلک فی الخطبة المذکورة، حیث قال فی هذه الخطبة: «نَدْعُوکَ حِینَ قَنَطَ الاَْنَامُ، وَمُنِعَ الْغَمَامُ، وَهَلَکَ السَّوَامُ، أَنْ لاَ تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا، وَلاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا».
وقد ورد هذا المطلب بصورة أوضح فی الخطبة 143، حیث حذر فیه الناس حین القحط بالنزوع عن المعاصی والاحتراز من الذنوب والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، واستشهد (علیه السلام)بآیات من سورة نوح بهذا الخصوص وهذا ما سیرد ذکره إن شاء الله فی محلّه.
ونختتم هذا الکلام بما ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: «إِذا فَشَتْ أَربَعَةٌ ظَهَرَتْ أَبَعَةٌ فَشَتْ لزِّنا ظَهَرَتْ الزَّلازِلُ وَإِذا أَمسَکَتْ الزَّکاهُ هَلَکَتْ المَاشِیَةُ وإِذا جَارِ الحُکَّامُ فِی القَضاءِ أَمسَکَ القَطَرُ مِنَ السَّماءِ وإِذا خَفَرتْ الذِّمَّةُ نَصرَ المُشرِکُونَ عَلَى المُسلِمِینَ»(3).
وورد فی الحدیث المعتبر والمعروف عن أبی ولاّد أنّ الإمام الصادق (علیه السلام) لما سمع الفتاوى غیر الصحیحة لأبی حنیفة فی بعض المسائل الفقهیة قال: «فِی مِثلِ هذا القَضاءِ وَشِبهِهِ تَحبِسُ السَّماءُ مـاءَها وَتَمنَعُ الأَرضُ بَرکاتَها»(4).
1. سورة الاعراف / 94.
2. سورة الروم / 41.
3. بحار الانوار 76/21، ح13.
4. وسائل الشیعة 13/256.