الغیبة والبحث عن العیوب آفة المجتمعات الإنسانیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
اقتفاء العیوب جحود عظیمالخطبة 141

الغیبة تعنی إفشاء عیوب الأفراد ومثالبهم، والمؤسف له هو أنّ هذه الظاهرة شائعة فی أغلب المجتمعات البشریة، وبما لا شک فیه أنّها تختزن مختلف الآثار السلبیة على المستوى الأخلاقی وکذلک الاجتماعی، وذلک لأنّ السند الرصین لکل مواطن فی المجتمع هو ماء وجهه، والغیبة تزیل ماء الوجه وتطعن فی شخصیة الفرد وتقضی على روح الثقة وبین أفراد المجتمع والتالی تلعب دوراً سلبیاً فی إضعاف التعاون الاجتماعی، ومن هنا عدّها الشارع وحداة من أقبح وأشنع الذنوب حتى شبهها القرآن الکریم یأکل لحم الأخ المیت، وقال رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی خطبة حجّة الوداع وهى خطبة حساسة: «أیُّها النَّاسُ إِنَّ دِمـاءَکُم وَأَموالَکُم وَأَعراضَکُم عَلَیکُم حَرامٌ کَحُرمَةِ یِومِکُم هذا فِی شِهْرِکُم هـذا فِی بَلَدِکُم هـذا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الغِیبَةَ کَمَا حَرَّمَ المَالَ والدَّمَ»(1).

وکفى بقباحة الغیبة ما ورد فی الحدیث القدسی أنّ الله تبارک وتعالى أوحى إلى موسى بن عمران: «مَنْ ماتَ تَِائِباً مِنْ الغِیبَةِ فَهُوَ آخِرُ مَنْ یَدخُلُ الجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ مُصِراً عَلَیها فَهُوَ أَولُ مَنْ یَدخُلُ النَّارَ»(2).

وقال رسول الله (صلى الله علیه وآله) بهذا الشأن: «مَنْ مَشى فِی غِیبَةِ أَخِیهِ وَکَشَفَ عَورَتَهُ کَانَ أَولُ خُطوة خَطَاهَا وَضَعَهـا فِی جَهَنَّمَ»(3).

کما قال (صلى الله علیه وآله): «مَا عَمَرَ مَجلِسٌ بِالغِیبَةِ إلاّ خَرِبَ بِالدِّینِ»(4).

وکثیرة هى الأحادیث التی وردت بهذا الخصوص والتی لا یسع المجال ذکرها، ونکتفی هنا بذکر حدیث آخر عن الإمام الصادق (علیه السلام): ونحیل من أراد المزید إلى المجلد الثالث من کتاب الأخلاق فی القرآن فی مبحث الغیبة وکتاب جامع السعادات المجلد الثانی والمجلد الثامن من وسائل الشیعة، حیث قال: «الغِیبَةُ حَرامٌ عَلَى کُلِّ مُسلِم وَأَنَّها تَأکُلُ الحَسَناتِ کَمَا تَأکُلُ النَّارُالحَطَبَ»(5).

والحقیقة هى أنّ الإسلام یرى حرمة ماء وجه المسلم والتی تعدل حرمة دمه، وقد اقترن العرض بالدم فی الروایات والأخبار الإسلامیة وبناءاً على ما تقدم فانّ من إغتاب شخصاً آخر وانتهک حرمته الاجتماعیة وأراق ماء وجهه فکأنه قتله، ومن هنا تواترت الروایات التی أکدّت الثمن الباهض الذی سیدفعه صاحب الغیبة یوم القیامة وما سیؤخذ منه حسنات بسبب ما اقترف من غیبة فتضاف إلى حسنات من إغتابه، فانّ لم یکن له من حسنات، أخذت من سیئات من إغتابه وأضیفت إلى سیئات صاحب الغیبة.

نعم، الغیبة حق الناس على غرار قتل النفس وجرح الأفراد، ولهذا فلو إلتفت المؤمنون إلى تبعات السیئة لهذه الذنوب والتی صورتها الروایات الإسلامیة لما سعى لمقارفة هذه السیئة، وهذا ما دفع بالإمام (علیه السلام) للإتیان بعدّة أدلة منطقیة لبیان الآثار السیئة لهذه السیئة وقد حذر الجمیع من مقارفتها، ویبدو بحث موضوع الغیبة من الأبحاث الواسعة کما صورها علماء الأخلاق ونکتفی هنا بذکر بعض الأمور بهذا الشأن:

1 ـ لابدّ أن نتّجه قبل کل شیء نحو دوافع الغیبة وذلک لأنّه یمکن الاستدلال على قبح النتائج من خلال قبح الدوافع، فدافع الغیبة غالباً هوالحسد وحبّ الذات والغرور والتکبر والحقد والریاء وحبّ الدنیا والثأر والسخریة والاستهزاء بالآخرین وما شاکل ذلک، حیث یحاول الأفراد الملوثون بهذه الأمراض بلوغ أهدافهم السیئة عن طریق الغیبة وبالنظر إلى أنّ الداوفع المذکورة جمیعاً من الکبائر فانّه یمکن الوقوف على قباحة الغیبة.

2 ـ إنّ أهم أرصدة المجتمع وسنده الأصل والذی من شأنه توحید الأفراد ویدفعهم باتّجاه الأهداف النبیلة هو الثقة المتبادلة وممّا لا یشک فیه أنّ أولى النتائج السیئة للغیبة تتمثل بالقضاء على هذا السند، وذلک لأنّ کل فرد فی الغالب ینطوی على عیب أو عیوب فانّ بقیت خفیة لن تنعکس سلباً على الآخرین ویبقى التفاؤل ثقة الأفراد بعضهم بالبعض الآخر قائمة، أمّا کشف هذه العیوب عن طریق تحریها والبحث عنها وممارسة الغیبة وذم کل فرد آخر إنّما یحیل المجتمع إلى جهنم محرقة بحیث یسیىء کل فرد الظن بالآخر وینفر منه، بالنتیجة تزعزع النظام العام للمجتمع وتعرّضه للقلق والاضطراب.

وبعبارة أخرى کما یتهدد الأمن العام للمجتمع بفعل نهب الأموال وسفک دماء الأبریاء، فانّ سلب ماء الوجه وسرقته من الآخرین عن عن طریق الغیبة إنّما یشیع تلک الفوضى ویقضی على الأمن، وذلک لأنّه کما ورد فی الروایة المذکورة عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) فانّ التعرض لحیثیات الآخرین بمثابة التعرض لأنفسهم وأموالهم، لا یمکن کتمان الغیبة عادة وتفشی على صاحبها فتشتعل فیهم نیران الحقد والکراهیة، الحقد الذی یمهد السبیل أمام سفک الدماء وعظام المشاکل، والغیبة أحد أسباب إشاعة الفحشاء وعامل مهم من عوامل سوء الظن، إلى جانب کونها تجعل الآثم جریئاً فی ذنوبه، لأنّ المذنب الآثم یراعی عادة جانب الاحتیاط إن بقیت معصیته خفیة مستورة، فان هتکت زال حجاب الحیاء والخجل.

3 ـ الغیبة حق الناس، والمسألة المهمّة بشأن الغیبة أنّها لیست معصیة بین الإنسان وربّه تبارک وتعالى یمکن غسلها بماء الندم فتحصل التوبة، بل کما لا یمکن تلافی الخسائر الناجمة عن سفک الماء وغصب الأموال دون القصاص أو الدیة ودفع التعویضات المالیة، فانّه لا یمکن غفران إزالة ماء وجه الآخرین دون تعویض، سیّما إن توفی من أغتیب ولم یکن هناک من سبیل لمن إغتابه للوصول إلیه ولم یبق أمامه سوى الحساب والقیامة، یعنی حین لا یکون هنالک من سبیل للتعویض سوى إضافة حسناته إلى ذلک الفرد أو تقبل سیئاته، وهذه بحدّ ذاته مصیبة کبرى.

4 ـ إنّ أفضل علاج للغیبة یتمثل بما ذکره مولى الموحید أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) فی الکلام المذکور وقد لفت انتباه الإنسان إلى هذه الحقیقة وهى إن رأى الإنسان عیباً ومنقصة فی شخص آخر ولیس فیه مثلها، فقد وجب علیه شکر الله، الشکر الذی یصده عن تحری عیوب الآخرین، وإن قارف معصیة وقد إرتکبها مثله، فلا ینبغی له أن یتجاهل عیبه وینشغل بعیوب الآخرین، وإن إرتکب الصغیرة وجب علیه أن یفکر فی أنّ کبیرة غیره ربّما غفرت ولم یغفر له، بل جرأته على تقصی عیوب الآخرین لأکبر من ذنونهم مهما کبرت.

أضف إلى ذلک فکما أنّ الأمراض البدنیة لن تعالج بصورة تامة ما لم تزول جذورها فانّ الأمراض الروحیة کالغیبة لابدّ من إقتلاع جذورها حتى تزول الرغبة فی مقارفتها.

5 ـ استماع الغیبة أحد الذنوب ـ کما سیأتی شرح ذلک فی الخطبة القادمة ـ ذلک لأنّ السامع شارک فی إراقة ماء وجه مسلم فهو شریک فی الجرم، سیّما إن إستمع مختاراً بما یجعله سبباً لتشجیع صاحبه الغیبة.

6 ـ لا یقتصر سبیل التوبة عن الغیبة على الاستغفار، بل لابدّ من محاولة تعویض من أغتیب واُریق من ماء وجهه إلى جانبی الندم والتوسل إلى الله تعالى فی طلب العفو الرحمة، فان أمکن مناشدته إبراء الذمّة، وأمّا إن تعذّر ذلک بسبب ترتب مفسدة، أو توفى الشخص، فلابدّ من القیام بأعمال الخیر من أجله حتى یرضى، وکل هذه الأمور تشیر إلى مدى فضاعة الغیبة وصعوبة التخلص من تبعاتها، ومن أراد المزید بشأن المسائل المتعلقة بالغیبة ومن ذلک موارد الاستثناء علیه مراجعة الجلد الثالث من کتاب الأخلاق فی القرآن(6).


1. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 9/162.
2. جامع السعادات 3/302; بحار الانوار 72/257.
3. جامع السعادات / 303.
4. بحار الانوار 75/259.
5. جامع السعادات 3/305.
6. للمؤلف.

 

اقتفاء العیوب جحود عظیمالخطبة 141
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma