أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة إلى مسألة البیعة فقال: «فَأَقْبَلْتُمْ إِلَیَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ(1) الْمَطَافِیلِ(2) عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَیْعَةَ الْبَیْعَةَ! قَبَضْتُ کَفِّی فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْکُمْ یَدِی فَجَاذَبْتُمُوهَا».
فقد أشار الإمام (علیه السلام) فی الواقع إلى هذه الحقیقة وهى أنّ علیکم أن تقارنوا بی الزاعمین الطالبة بدم عثمان لیجعلوا ذلک ذریعة للوصول إلى الخلافة والحکومة وهم طلحة والزبیر، فهما لا یتورعان عن أیة حیلة وخدعة من أجل تحقیق أهدافهما، أمّا أنا فقد أریتکم منذ البدایة أنّی لا أطلب المقام، وأنتم الذین أصررتم علیَّ البیعة، ولأن قبلت بیعتکم فإنما ذلک بسبب القیام بالمسؤولیة التی تتمثل باجراء الحق وبسط العدل والقسط وإحیاء الإسلام فعبارات الإمام(علیه السلام)
تکشف مدى شوق الناس للبیعة، وفی ذات الوقت مدى زهد الإمام (علیه السلام) بها.
ثم إتّجه إلى الحق تبارک وتعالى فشکى إلى الله الظلمة الذین نقضوا العهد وجعلوا من إراقة دماء الأبریاء وسیلة لتحقیق أطماعهم وأغراضهم، ثم أخذ بالدعاء علیهم ولعنهم: «اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِی وَظَلَمَانِی، وَنَکَثَا بَیْعَتِی، وَأَلَّبَ(3) النَّاسَ عَلَیَّ».
ثم قال: «فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْکِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِیَما أَمَّلاَ وَعَمِلاَ»، والتفت إلى الناس قائلاً: «وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَ(4) قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَیْتُ(5) بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ(6)، فَغَمَطَ(7) النِّعْمَةَ، وَرَدَّا الْعَافِیَةَ»، لعل العبارة الأخیرة مواصلة شکوى الإمام (علیه السلام) لله سبحانه، ویمکن أن تکون خطاباً للناس،، یبدو المعنى الثانی أنسب، على کل حال فانّ هذه العبارات تبیّن مدى سعی الإمام (علیه السلام) لاجتناب الحرب وسفک الدماء وقد بذل قصارى جهده لوعظ أصحاب الجمل ومثیری الفتن علّهم یعودون إلى رشدهم وتثار حمیتهم الدینیة، فیعودا عن سبیل الغی، إلاّ أنّ حبّ الخلافة والجاه والمقام قد أعمى أبصارهم وأصم أسماعهم بحیث لم یعد لنصائح الإمام (علیه السلام) ومواعظه من تأثیر علیهم، بالتالی حلّت علیهم لعنة الإمام (علیه السلام) ففشلوا فی تحقیق أهدافهم، فانهزموا شرّ هزیمة وقتلوا بذلة وهوان.