الدنیا سند هش خاوی!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثالث القسم الرابع

أشار الإمام (علیه السلام) ـ فی هذا المقطع من الخطبة ـ إلى أمرین مهمین آخرین بشأن الحیاة الدنیا ووضاعة متاعها المادیة:

الأمر الأول: أنّ لا شیء فیها یمکن الاعتماد علیه والوثوق به، فقد قال (علیه السلام) بهذا الشأن کم من وثق بهذه الدنیا وسکن إلیها فجرعته الألم والمعاناة، وما أکثر الأفراد الذین اطمئنوا إلیها فصرعتهم، وما أکثر الأفراد الذین کانوا من أهل السطوة والشوکة، فأذاقتهم لباس الذلّة والمسکنة: «کَمْ مِنْ وَاثِق بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِی طُمَأْنِینَة إِلَیْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ. وَذِی أُبَّهَة(1) قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِیراً، وَذِی نَخْوَة قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِیلاً».

نعم، لیس هنالک من فرد مهما کان مقامه، وموقعه بمأمن من الحوادث الخطیرة والمکاره التی تصیب الإنسان بغتة، فعظام الملوک والسلاطین والأبطال الأشداء أصحاب رؤوس المال من أهل الجاه والسطوة والشباب الذین یعیشون عنفوان النشاط والحیویة والجمال، کل هؤلاء ومن شاکلهم إنّما یخضعون لهذه الحوادث التی تجری علیهم وهم صاغرون، الحوادث التی تأتی على جمیع النعم واللذات فتخطفها فی لحظة وتذل الأعزّة والجبابرة وما التاریخ عنک ببعید، فقد شحن بمثل هذه الحوادث، وقد ورد فی تاریخ الطبری أنّ سلیمان بن عبدالملک لبس ذات یوم لباساً فاخراً واعتم بعمة خضراء وأخذ ینظر فی المرآة (وهو یتلذذ بما یشاهد من نفسه فدفعه الفخر لأن) یقول: أنا ملک شاب سعید الحظ، فلم یعمر بعد ذلک أکثر من سبعة أیّام(2).

الأمر الثانی: هو أنّ حلاوتها قد عجنت بالمرارة وانتصاراتها بالهزائم: «سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ(3)وَعَیْشُهَا رَنِقٌ(4)، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ(5)، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ(6)، وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ(7)، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ(8)».

ثم تطرق الإمام (علیه السلام) إلى حال ساکن الدنیا من أنّ حیاته معرّض للموت والسقم والمرض یتربص بعافیته وصحته، ملک هذه الدنیا یستبطن الزوال والفناء، وعزیزها آیل إلى الانکسار، ووفرة نعمها تحمل معها مفردات النفاد والانقضاء: «حَیُّهَا بِعَرَضِ مَوْت، وَصَحِیحُهَا بِعَرَضِ سُقْم. مُلْکُهَا مَسْلُوبٌ، وَعَزِیزُهَا مَغْلُوبٌ، وَمَوْفُورُهَ(9) مَنْکُوبٌ(10)، وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ!(11)».

نعم، فمتع الدنیا ولذاتها إن وجدت، فهى مشوبة بأنواع المعاناة والألم، والحکام فی ذوی القدرة والسطوة الذین نغبطهم على مدى قدرتهم وشدّة شوکتهم وتربعهم على العرش نراهم حین الاقتراب منهم أخوف ما یخافون حتى من مقربیهم، وأکثر الناس طاعة لأوامرهم، بل هم فی غایة القلق والاضطراب ممّا یخبىء لهم الغد والمستقبل القریب.

ولعل هذا الأمر أشبه شیئاً بتلک القصّة التی تحدثت عن ذلک الفرد الذی کان یتمنى التربع على العرش السلطة ولو لیوم واحد، فحققوا له ما یرید، غیر أنّهم عقلّوا على رأسه خنجراً حاداً ربطوه بشعرة، فکان یتوقع فی کل آن قطع تلک الشعرة ونزول ذلک الخنجر على هامته، فکان یرجو بفارغ الصبر انقضاء ذلک الیوم والخلاص من مسند العرش الذی انطوى على ذلک الخطر، فما أورع الصورة التی رسمها الإمام (علیه السلام) لهذه الدنیا الغرور حین قال: «کَمْ مِنْ وَاثِق بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِی طُمَأْنِینَة إِلَیْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ».

فلیس هنالک ما یوثق به منها ولا یعتمد علیه فیها.


1. «أبهة»: بمعنى العظمة وقد اشتقت من مادة «أبه» بمعنین الفطنة حیث توصل ممن یتصف بها من الأفراد إلى المجد والعظمة.
2. الطبری 5/305.
3. «دول»: بضم الدال وفتح الواو المشددة المتحول، الشیء الذی یتحول من ید إلى أخرى، ولما کانت حال الحکومات کذلک، فقد اصطلح علیها بالدول أیضاً.
4. «رنق»: صفة مشبهة من مادة «رنق» بمعنى الکدر.
5. «اجاجم»: شدید الملوحة تلدغ حرارته الفم.
6. «صبر»: جمع «صبرة» على وزن کلمة أو جمع صبر على وزن فقر عصارة شجرة مرّة، کما یطلق أحیاناً على نفس الشجرة.
7. «سمام»: جمع «سم» المواد التی إذا خالطت بدن الإنسان أفسدته وأهلکته.
8. «رمام»: جمع «رمة» بالضم القطعة البالیة من العظم أو الحبل.
9. «موفور»: من مادة «وفور» الکثیر من الشیء.
10. «منکوب»: من مادة «نکبة» بمعنى المصاب.
11. «محروب»: من مادة «حرب» القتال والحرب.

 

القسم الثالث القسم الرابع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma