المواعظ القیمة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
نظرة إلى الخطبةالخطبة 121

إستهل الإمام (علیه السلام) خطبته بالحدیث عن العلوم التی تعلمها من رسول الله (صلى الله علیه وآله) فقال: «تَاللّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِیغَ الرِّسَالاتِ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ، وَتَمَامَ الْکَلِمَاتِ».

المراد بتبلیغ الرسالات أسالیب نشر المعارف الإسلامیة وأحکام الدین بمختلف الطرق وایصالها إلى الناس، إشارة إلى أنّی لم أتعلم الرسالات الإلهیّة فحسب، بل تعلمت من رسول الله (صلى الله علیه وآله) طرق التبلیغ، فکنت لا أنثنی فی هذا السبیل.

والمراد باتمام العدات «الوفاء بالعهود» تلک وعود الله تبارک وتعالى بصورة عامّة بالنسبة لجمیع المؤمنین والوعود بصورة خاصة بالنسبة له (علیه السلام)، کما ورد فی القرآن الکریم: (مِنْ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِیل)(1).

یمکن أن یکون هذا الوعد الإلهی هو الوعد بالشهادة فی سبیل الله، أو سائر الوعود من قبیل مقاتلة الناکثین والقاسطین والمارقین، أو غیر ذلک.

والمراد بتمام الکلمات یمکن أن یکون إشارة إلى تفسیر آیات القرآن وتفسیر کلمات النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وتبیان وإکمال کافة الکلمات التی وصلت من الکتاب والسنّة.

کما یحتمل أن یکون المراد الإمام (صلى الله علیه وآله) أنّی أولى من جمیع الأفراد بخلافة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وذلک لأنّی تعلمت طریق تبلیغ الرسالة وتحقیق وعوده (صلى الله علیه وآله) وتفسیر وتکمیل کلماته، وعلیه فإنّی أستطیع النهوض لمسؤولیة الخلافة، وقد ورد فی الحدیث النبوی الشریف أنّ  رسول الله (صلى الله علیه وآله) قال لعلی (علیه السلام): «أَنْتَ وَصِی وَأَخِی فِی الدُّنیـا وَالآخِرةِ وَتَقضِی دَینِی وَتُنجِزُ عِداتِی»(2).

الاحتمال الآخر الذی یمکن ذکره بالنسبة لهذه العبارة هو أنّ الإمام (علیه السلام) أراد أن یقول أنا أولى بالخلافة، لأنّی أقدر على تبلیغ جمیع رسالات الله سبحانه، کما أستطیع العمل بالوعود التی أقطعها وکذلک أتم ما أورده من کلمات وأحادیث.

ثم واصل (علیه السلام) کلامه بالقول: «وَعِنْدَنَا ـ أَهْلَ الْبَیْتِ ـ أَبْوَابُ الْحُکْمِ وَضِیَاءُ الاَْمْرِ».

والحکم بضم الحاء بمعنى الحکومةو القضاء، بناءاً على هذا فالمراد بالعبارة عندنا أهل البیت طرق تدبیر الحکومة وإقامة العدل وبسط الأمن، والحکم بکسر الحاء وفتح الکاف جمع الحکمة بمعنى العلوم والمعارف، ولا شک ولا ریب أنّ لدى أهل البیت(علیهم السلام)أبواب الحکمة وکنوز العلم والمعرفة، کما قرنهم رسول الله (صلى الله علیه وآله) فقال فی حدیث الثقلین المعروف: «إِنِّی تـارِکٌ فیکُم الثَّقَلَینِ کِتابَ اللهِ وَعِترَتِی»(3).

ثم أورد الإمام (علیه السلام) خمس نصائح من شأنها نجاة العباد فی الدنیا والآخرة، وکأن العبارات الاُولى لهذه الخطبة قد وردت لإعداد القلوب من أجل تقبل هذه النصائح لیقول أنّ کلامی یستند إلى علم عمیق ودقیق بتعالیم الإسلام وتعالیم النبی (صلى الله علیه وآله)، فکانت النصحیة الاُولى مسألة الإتحاد ووحدة الکلمة وذلک لأنّ الاختلاف آفات سعادة الإنسان، فقال: «أَلاَ وَإِنَّ شَرَائِعَ الدِّینِ وَاحِدَةٌ، وَسُبُلَهُ قَاصِدَةٌ. مَنْ أَخَذَبِها لَحِقَ وَغَنِمَ، وَمَنْ وَقَفَ عَنْهَا ضَلَّ وَنَدِمَ».

المقصود بشرائع الدین کافة التعلیمات التی صرّح بها الدین الحنیف بما فیها المعارف والعقائد والقوانین والوصایا والأمور الأخلاقیة، فجذروها واحدة فی جمیع الأدیان السماویة وإن إقتضت الظروف الزمانیة والتطور البشری أن یکون هناک بعض الاختلاف شرحها وتفصیلها وتنوع فروعها.

کما یحتمل أن یکون المراد بشرائع الدین مختلف الطرق إلى الله سبحانه فی الدین الإسلامی والتی تنتهی جمیعاً إلى طریق رئیسی واحد وهو القرب إلى الله والسعادة المطلقة للبشر، فالصلاة الصوم والجهاد والحج والزکاة وکافة مثل هذه التعلیمات إلى جانب التعالیم العقائدیة والأخلاقیة تتصل وتنتهی بنقطة واحدة ویؤکد (علیه السلام) على أنّ بلوغ السبیل سهل وواضح وقریب، وعلیه فانّ الفرقة والاختلاف إنّها تحصل من مزج الأفکار الباطلة والأهواء ووساوس النفس والشیطان بشرائع الدین، فقال تعالى فی کتابه العزیز: (شَرَعَ لَکُمْ مِنْ الدِّینِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَى وَعِیسَى أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِیهِ...)(4).

وقال (علیه السلام) فی الموعظة الثانیة: «إِعْمَلُوا لِیَوْم تُذْخَرُ لَهُ الذَّخَائِرُ، وَتُبْلَى فِیهِ السَّرَائِرُ».

العبارة الاُولى إشارة إلى الآیة الشریفة: (مَا عِنْدَکُمْ یَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاق...)(5).

والعبارة الثانیة إشارة إلى الآیة القرآنیة: (یَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)(6).

من البدیهی أنّ للإنسان قدرة محدودة ینبغی توظیفها فی أفضل سبیل، فالعقل یقول: لم تستهلک طاقتک فی طریق لا یدوم أکثر من أیّام، لم لا تستهلکها فی سبیل یرافقک على الدوام ویخلد فیه معک، أضف إلى ذلک یوم تبلى فیه السرائر وکافة أعمال الإنسان الخفیة، فهو یوم عصیب وفضیحة بالنسبة للطالحین.

وقال (علیه السلام): فی عظته الثالثة: «وَمَنْ لاَ یَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ فَعَازِبُهُ(7) عَنْهُ أَعْجَزُ، وَغَائِبُهُ أَعْوَزُ(8)».

فالواقع هو أنّ الإمام (علیه السلام) أراد بهذه العبارة مزج الأدلة العقلیة بالنقلیة وتعبئة الجمیع من أجل متابعة سبیل الحق، وقد قال الإمام (علیه السلام) هنا ثلاثة أنواع لعقل هى: العقل الحاضر والبعید والغائب، یمکن أن یکون الأول إشارة إلى المسائل العقلیة الواضحة، والثانی إلى المطالب النظریة التی یبلغها الإنسان من خلال الطرق الاستدلالیة الواضحة، و الأخیر إشارة إلى المواضع المعقدة التی یتعذر التوصل إلیها من خلال الدلیل والبرهان، فمن البدیهی أن یتعذر إدراک المطالب النظریة والمعقدة والبعیدة عن الفکر على من لا یستفید من المسائل الفکریة البسیطة.

ففی المسائل النظریة تتضح تماماً معرفة الله یوم القیامة (بالمبدأ والمعاد)، وذلک لأنّ آیاته قد ملأت جمیع العالم، والقیامة التی تمثل محکمته العادلة ثابتة بحکم العقل، وفی المسائل العلمیة فانّ حسن العدل وقبح الظلم ومدح الصدق والوفاء والعفة والورع والتقوى مسلم للجمیع، ولکن قد یحول التعصب الأعمى وأهواء الإنسان دون الوقوف على هذه الأمور الواضحة، فأنى لمثل هذا الفرد أن یبدی رأیه فی المسائل النظریة والمعقدة ویبلغ الهدف المطلوب.

ثم خاطب الإمام (علیه السلام) الناس فی المواعظة الرابعة بصفته منذر عالم فقال: «وَاتَّقُوا ناراً حَرُّهَا شَدِیدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِیدٌ، وَحِلْیَتُهَا حَدِیدٌ، وَشَرَابُهَا صَدِیدٌ(9)».

والعبارات البلیغة التی أوردها الإمام (علیه السلام) بشأن نار جهنم والتی تکفی کل واحدة منها لصد الإنسان عن الذنب إنّما اُقتبست من الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة، فقد جاء فی الآیة: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً...)(10).

وجاء فی أخرى: (یَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِید...)(11).

یعنی أنّها على قدر من الکبر والسعة بحیث لا تمتلىء بسهولة، وجاء فی أیة أخرى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِی سِلْسِلَة ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُکُوهُ)(12).

وجاء فی آیة أخرى: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَیُسْقَى مِنْ مَاء صَدِید)(13)، قطعاً من یؤمن بالآخرة ومحکمة العدل الإلهی وشیء من العذاب الألیم، فانّه یتحکم ویسیطر على أهوائه ویجتنب الظلم والجور ولا یقارف الذنب والمعصیة، أمّا اُولئک الذین لیس لهم من إیمان بهذه الأمور ولا یعتقدون بالحساب والکتاب والثواب والعقاب، فلیس هناک ما یدعوه إلى السیطرة على أهواءه وکفّ الأذى عن الآخرین وعدم التعرض لحقوقهم.

نعم، یمکن للضمیر أن یجد من هوس الأفراد إلى حدود معینة، لکن من الیقین أن لیس لذلک من بعد عمومی وشامل، وتأثیره یبقى متواضعاً، أضف إلى ذلک فانّ نبتة الضمیر تذبل وتجف وتموت ما لم تسق بماء تعالیم الأنبیاء(علیهم السلام).

أمّا الموعظة الأخیرة والخامسة فقد أشار إلى نقطة مهمّة جدّاً فقال: «أَلاَ وَإِنَّ اللّسانِ الصّالِحِ یَجعَلُهُ اللهُ تَعلى لِلمرءِ فِی النّاسِ، خَیرٌ لَهُ مِنَ المَالِ یُرِثُهُ مَنْ لاَ یَحْمَدُهُ».

إنّ أغلب الناس وبدافع حبّهم لأولادهم وأزواجهم یبذلون قصارى جهدهم من أجل ضمان مستقبلهم ویفنون جانب عظمیاً من أعمارهم فی هذا المجال حتى أنّهم یخلطون أحیاناً الحلال بالحرام، لکنّهم یغفلون عن قضیة مهمّة دلّت علیها التجربة أنّه قلّما نجد وارثاً یحمد من ورثه على ما خلفه لهم من میراث، بل غالباً ما تکون الأموال الموروثة مصدراً للشقاق والاختلاف والنزاع، ولا غرو فکل فرد یسعى لأن یحصل لنفسه على السهم الأوفى، حتى قیل موت الغنی بدایة قتال الفقیر.

بل قد یتجاوز الأمر ذلک لنشهد سبّ الوارث والتشنیع علیه والتعرض له بالذم من جراء ما خلفه من مشاکل بسبب الارث.

والحال لو تجاوز الإنسان وهو على قید الحیاة ذاته وأنفق قسماً من أمواله کصدقة جاریة وخدمة إنسانیة وثقافیة یسدیها إلى المجتمع لبقى ذکره الطیب بین النایس فلن ینسوه أبداً، ویثنون علیه دائماً ویسألون الله له المغفرة والرحمة، فهذا هو ثوابه فی الدنیا ولثواب الآخرة أعظم.


1. سورة الأحزاب / 23.
2. بحار الانوار 36/311.
3. للوقوف على مصادر هذا الحدیث الشریف راجع کتاب نفحات القرآن 9/62 ـ 71.
4. سورة الشورى / 13.
5. سورة النحل / 96.
6. سورة الطارق / 9.
7. «عازب»: من مادة «عزوب» بمعنى الابتعاد وعازب بمعنى بعید.
8. «أعوز»: من مادة «عوز» على وزن مرض وعوز الشیء بمعنى لم یوجد ویراد به عدم وجودالشیء عندالحاجة.
9. «صدید»: الماء الساخن، کما ورد بمعنى ماء الجرح الرقیق.
10. سورة التوبة / 81 .
11. سورة ق / 30.
12. سورة الحاقة / 30 ـ 32.
13. سورة إبراهیم / 16.

 

نظرة إلى الخطبةالخطبة 121
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma