الثقة القیّمة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الأولاُسس الموفقیة والنجاة

أشار الإمام (علیه السلام) فی القسم الأول من هذه الخطبة إلى مسائل مهمّة فی جانب حمد الله والثناء علیه والاستعانة بذاته المقدّسة والاستغفار من الذنوب والمعاصی، فقال بادىء ذی بدء: «اَلْحَمْدُ لِلّهِ الوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّکْرِ».

قرن الحمد بالنعمة یستند إلى أنّ حمد الله تعالى بنعمه وشکره یجعل الإنسان جدیراً بالنعم، فهذا الحمد یجعل العباد یتمتعون بنعمه وأفضاله، کما تعود علاقة النعمة بالشکر إلى أنّ النعمة سبب الشکر، وذلک لأنّ العباد مکلّفون بشکر کل نعمة، فالشکر واجب على کل نعمة (الواقع هو أنّ الحمد یشکل السبب التکوینی للنعم والنعم السبب التشریعی للشکر)، والشاهد على ذلک ما ورد فی الخطبة 157 إذ قال: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِکْرِهِ، وَسَبَباً لِلْمَزِیدِ مِنْ فَضْلِهِ».

طبعاً یمکن أن تکون هناک عدّة تفاسیر أخرى للعبارتین المذکورتین من حیث تفاوت العلّة والمعلول، غیر أنّ ما ورد هو أنسبها جمیعاً.

ثم قال (علیه السلام) فی المسألة الثانیة: «نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ، کَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلائِهِ». فی إشارة إلى أنّ البلاء الإلهی هو فی الواقع نوع من النعم، کما بیّنا ذلک فی بحثنا لفلسفة الآفات والبلاء ضمن مباحث التوحید والعدل، فقد یکون البلاء سبباً للیقظة والعودة إلى الله تعالى وترک المعاصی أحیاناً، وقد یکون أحیاناً أخرى بلاءاً ظاهراً، لکنّه نعمة باطنیاً، غیر أننا لا نمیز ذلک، فربّما یکون البلاء کفّارة للذنوب کما قد یکون وسیلة لمعرفة قدر النعم وذلک لأنّ الإنسان قد لا یعرف قیمة النعم إلاّ أن یفقدها ویتعرض إلى بعض الشدائد، وإلاّ فالحکیم تبارک وتعالى لا یعرّض شخصاً للبلاء عبثاً، وعلیه فبلاؤه رحمة وداؤه دواء.

ثم قال فی المسألة الثالثة: «وَنَسْتَعِینُهُ عَلَى هذِهِ النُّفوسِ الْبِطَاءِ(1) عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ، السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِیَتْ عَنْهُ».

إشارة إلى النفوس البشریة ما لم تبلغ المرحلة المتکاملة للنفس المطمئنة فهى ضعیفة فی الإتیان بالوظائف الشرعیة وإمتثال الأوامر الإلهیّة ومسارعة فی مقارفة الذنوب التی تنسجم والغرائز الحیوانیة، ویتعذر تجاوز مرحلة النفس الأمارة وبلوغ مرحلة النفس اللوامة والوصول إلى النفس المطمئنة ما لم تکن هناک نصرة الله ومدده.

ثم قال (علیه السلام): «وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُ کِتَابُهُ: عِلْمٌ غَیْرُ قَاصِر، وَکِتَابٌ غَیْرُ مُغَادِر».

فالعبارة تشیر إلى أننا إن لم نستغفر من الذنوب ولم نجل صدأ القلوب فسوف لن یسعنا التخلص من وساوس النفس والفوز بمقام القرب وبلوغ تلک المرحلة من الإیمان التی سیأتی الحدیث عنها لاحقاً، والواقع هو أنّ الاستغفار تکمیل للبحث السابق ومقدمة للبحث القادم.

أمّا القضیة الأخیرة فقد تناولت النتائج النهائیة لهذا البحث فقال: «وَنُؤْمِنُ بِهِ إِیمانَ مَنْ عَایَنَ الْغُیُوبَ وَوَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ، إِیمَاناً نَفَى إِخْلاصُهُ الشِّرْکَ، وَیَقِینُهُ الشَّکَّ».

إشارة إلى خلاص الإنسان من وساوس النفس إذا ما مزج حمد الله تعالى والثناء علیه بشکر النعم، وخرج سالماً معافى من میدان الامتحان وتغلّب على هواه ونزع عن ذنوبه وتاب من معاصیه آنذاک له أن یبلغ کمال الإیمان، الإیمان الذی یبلغ به درجة الشهود، وکأنّه یرى الله ببصیرته ویشاهد باُم عینیه الجنّه والنار وثواب المحسنین وعقاب المسیئین، الإیمان المنزّه عن کافة أشکال الشرک والیقین الذی لا یتطرق إلیه الشک.

نعم، فالیقین على مراتب: المرتبة الاُولى وهى مرحلة التی یتّجه إلیها الإنسان بواسطة البرهان والاستدلال والتی یصطلح علیها باسم «علم الیقین»، والمرتبة الثانیة وهى المرحلة التی یصلها الإنسان عن طریق الشهود وکأنّه یرى من بعید الأنوار الإلهیّة وعرصة الحشر یوم الحساب، وهى المرحلة المسمّاة «عین الیقین» یلمس جمیع الأشیاء، فالأنوار الإلهیّة تحیطه من کل جانب ونسیم الجنّة المنعش یداعب ظلال روحه ویتکدر لنیران جهنّم المحرقة، وهى المرحلة التی تدعى «حق الیقین»، وعلى هذا فالمراد بالعبارة عاین ووقف هو تلک المرحلة النهائیة للإیمان والیقین والتی تبلغ فیها الإنسان مقام الشهود عن قرب وبالمعاینة.

وأخیراً یتّجه الإمام (علیه السلام) صوب الشهادة بالتوحید والنبوة لیختتم به هذا المقطع من الخطبة، فقال: «وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِیکَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَیْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ. لاَ یَخِفُّ مِیزَانٌ تُوضَعَانِ فِیهِ، وَلاَ یَثْقُلُ مِیزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ».

فی إشارة إلى أنّ الشهادة بالوحدانیة والنبوة إن انطلقت من أعماق النفس البشریة وظهرت أثارها على القول والعمل، فانّها على درجة من الطهر الاخلاص بحیث تشکل أثقل الأوزان فی میزان الأعمال یوم القیامة حتى لا یخف ذلک المیزان بوجودها، والعکس صحیح لا ثقل لذلک المیزان مهما وضع فیه دونها.

ورد فی الحدیث عن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «أوحى اللهُ تَبارَکَ وَتَعالى إِلى مُوسى بنِ عِمرانَ (علیه السلام): یـا موسى لَو أنّ السَّـمواتِ وَعَامِریهِنَّ عِندِی، والأَرضِینَ السَّبعَ فِی کَفَّةِ وَلا إِلَـهَ إلاّ اللهُ فُی کَفَّة، مـالَتْ بِهِنَّ لا إِلَـهَ إلاّ اللهُ»(2).

وبالطبع لیس المراد بالزنة هنا الأوزان وما یرتبط بها عن میزان، بل المراد زنة القیم على ضوء المعاییر العقلیة والمعنویة.


1. «بطاء»: جمع «بطیئة» ضد السریعة.
2. ثواب الأعمال، (حیث نقل شرح نهج البلاغة، للعلاّمة الخوئی 8/57) وهذا هو الحدیث الأول الذی ورد فی کتاب ثواب الأعمال.

 

القسم الأولاُسس الموفقیة والنجاة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma