لا یبقى من القرآن سوى اسمه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثانی1ـ أبشع عصور الإسلام

تحدّث الإمام (علیه السلام) فی القسم المذکور عن ظهور الإسلام والهدف من بعثة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)والآثار العظیمة للقرآن فی الهدایة، ثم واصل (علیه السلام) کلامه فی هذا القسم بالحدیث عن زمان لا یبدو بعیداً وسیشهد تغیراً تاماً فی الأوضاع بما یهدد بالخطر جهود النبی (صلى الله علیه وآله) فینذر کافة المؤمنین بالالتفات إلى الأخطار التی تتربص بهم، فاستهل (علیه السلام) کلامه ببیان الوضع فی ذلک الزمان بسبع عبارات قصیرة بلیغة فقال: «وَإِنَّهُ سَیَأْتِی عَلَیْکُمْ مِنْ بَعْدِی زَمَانٌ لَیْسَ فِیهِ شَیْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ، وَلاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلاَ أَکْثَرَ مِنَ الْکَذِبِ عَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ»، کما لیست لدى الناس من سلعة أبور من القرآن الکریم آنذاک إن فسّر وتلی حق تلاوته، بینما یزداد الإقبال علیه إن حرّف عن معناه الحقیقی: «وَلَیْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِکَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ(1) أَبْوَرَ(2) مِنَ الْکِتَابِ إِذَا تُلِیَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ أَنْفَقَ(3) مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ; وَلاَ فِی الْبِلاَدِ شَیْءٌ أَنْکَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْکَرِ! فَقَدْ نَبَذَ الْکِتَابَ حَمَلَتُهُ، وَتَنَاسَاهُ(4) حَفَظَتُهُ».

نعم، ستظهر غیوم الجاهلیة ثانیة فی سماء الإسلام فتحجب شعاع شمس النبوّة والقرآن فیتغیر کل شیء وتنطمس حقائق الإسلام ویستولی سلیلوا أئمّة الکفر والشرک والوثنیة على الحکومة الإسلامیة فتعانی الاُمة من ظلمات الجهل والجور، والسؤال المطروح أی زمان هذا الذی أشار إلیه الإمام (علیه السلام)؟ هل المراد زمان معین؟ أم الحکومة مفهوم عام ویشمل مختلف الأزمنة حتى زماننا الحاضر؟ هناک خلاف بهذا الشأن بین شرّاح نهج البلاغة، ولکن بالنظر إلى العبارة «سیأتی» التی تفید عادة الإخبار عن المستقبل القریب والتعبیر بـ«علیکم» ومن بعدی التی تشیر إلى درک مخاطبیه له، یبدو أنّه إشارة إلى زمان سیطرة بنی اُمیة ومعاویة ویزید وسائر حکامهم الذین تنطبق علیهم هذه الصفات، نعم، فهؤلاء الذین کتموا الحق وقطعوا رقبة کل من تعصب له، إلى جانب ذلک فقد إتسق سوق الکذابین والوضاعین والمتملقین لبنی اُمیة ممن اندفع فی مدحهم والثناء علیهم، فقد ظهرت المنکرات فی کل مکان وضاع المعروف.

طبعاً لا ننکر أنّ هذا الأمر حدث ویحدث فی سائر الأزمنة وحتى فی عصرنا، مع ذلک فمراد الإمام (علیه السلام) من هذه العبارات العصر المظلم لبنی اُمیة.

ثم خاض الإمام (علیه السلام) فی وضع القرآن وأصحابه فی ذلک الزمان المظلم وشرح علّة بؤس الناس آنذاک والتی تتمثل بابتعادهم عن القرآن: «فَالْکِتَابُ یَوْمَئِذ وَأَهْلُهُ طَرِیدَانِ(5) مَنْفِیَّانِ(6)،

وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ، فِی طَرِیق وَاحِد لاَ یُؤْوِیهِمَ(7) مُؤْو».

ثم أکّد (علیه السلام) قائلاً: «فَالْکِتَابُ وَأَهْلُهُ فِی ذلِکَ الزَّمَانِ فِی النَّاسِ وَلَیْسَا فِیهِمْ، وَمَعَهُمْ وَلَیْسَا مَعَهُمْ!»، فهم یتلون القرآن فی دورهم وعلى منابرهم، ویقبّلونه ویتبرکون به، بینما لیس هنالک أدنى أثر لتعالیمه ومفاهیمه فی حیاتهم الفردیة والاجتماعیة، فقد اکتفوا من القرآن بغلافه وترکوا مضمونه، إنهمکوا بالألفاظ وأهملوا المعانی.

ثم خاض (علیه السلام) فی الدلیل قائلاً: «لاَِنَّ الضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ الْهُدَى، وَإِنِ اجْتَمَعَا». نعم، فالضالون فی وادی والهدى وأتباعه فی وادی آخر، وإن کانوا معاً فی الظاهر، والدلیل الآخر المهم لشقائهم: «فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ، کَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْکِتَابِ وَلَیْسَ الْکِتَابُ إِمَامَهُمْ»، بعبارة أخرى فقد اتفقوا على أن لا یتفقوا، وقد أدّت هذه الفرقة إلى أن یفسّر کل القرآن حسب رغبته، أو بعبارة أخرى فقد أسسوا بنیانهم على التفسیر بالرأی، یأخذون ما ینسجم مع رغباتهم من آیات بینما یسعون لتوجیه البعض الآخر من الآیات التی تتعارض وأهوائهم بما یتفق ورغباتهم، فهم یجعلون أنفسهم أئمة القرآن بدلاً من أن یکون القرآن الکریم إمامهم، ولذلک فهم لا ینتفعون بالقرآن، بل یجعلونه الموجّه لضلالهم، فیزدادوا ضلالاً وبعداً عن القرآن الکریم.

ثم رسم صورة واضحة عن مصیر القرآن فی ذلک العصر والزمان بعبارة رائعة لا تماثلها عبارة فقال (علیه السلام): «فَلَمْ یَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اسْمُهُ، وَلاَ یَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ(8)»، فقد یسطر القرآن بخطوط غایة فی الجمال وتذهب صفحاته وغلافه ویبتدعوا روائع الفن بهذا الخصوص وتتداول الأیدی القرآن ویتلى فی المساجد بمختلف الأصوات بصورة فردیة وجماعیة، ولکن دون أن یکون هناک أدنى خبر عن مضمونه ومحتواه، بالضبط کالدواء الشافی الذی یوضع فی زجاجة جمیلة تترک على الرف دون أن یتناول المرضى منها شیئاً، وهنا یبرز هذا السؤال: هل الصالحون والمؤمنون وأصحاب القرآن صامتون فی ذلک الزمان؟ کأنّ الإمام (علیه السلام) أجاب فی العبارة الأخیرة على هذا السؤال فقال: «وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُو(9) بِالصَّالِحِینَ کُلَّ مُثْلَة، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللّهِ فِرْیَةً(10)، وَجَعَلُوا فِی الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّیِّئَةِ».

فالعبارة إشارة إلى التاریخ الأسود لبنی اُمیة الذین مثلوا بالصالحین من العباد لما رأوهم یشکلون خطراً علیهم، حتى قیل بلغ تعداد من قتلهم معاویة ما یزید على الأربعین ألف من المهاجرین والأنصار.

ولا نرى من حاجة لاستعراض تلک الفاجعة التی إرتکبها ولده یزید بحق الحسین(علیه السلام)وأنصاره فی کربلاء، کما لا یمکن إحصاء من قتلهم عبدالملک بن مروان وعامله الحجاج من أهل العراق والحجاز(11)، وهکذا أخمدوا کل دعوة حق وقطعوا کل لسان صدق ومهدوا السبیل لإملاء أفکارهم ورغباتهم.


1. «سلعة»: المتاع والبضاعة.
2. «أبور»: من مادة «بوار» شدّة کساد الشیء والأرض البائر والبوار المیتة الخالیة من النبات.
3. «أنفق»: فعل تفضیل من مادة «نفاق» لها معانی مختلفة واُرید بها هنا غلاء السلعة ورواجها.
4. «تناسا»: من مادة نسیان.
5. «طریدان»: مثنى «طرید» من مادة طرد ومعناها معروف.
6. «منفیان»: من مادة «نفی» بمعنى الابعاد.
7. «یؤوی»: من مادة «ایواء» بمعنى الملاذ والملجأ.
8. «زبر»: بالفتح الکتابة (وقد جاء بالمعنى المصدری واسم المصدر).
9. «مثلوا»: من مادة «تمثیل» وأصلها «المثلة» بمعنى التنکیل والتشنیع.
10. «فریة»: من مادة «فری» على وزن فرد تعنی فی الأصل القطع، ولما کان قطع الشیء یؤدّی إلى فساده غالباً، فهى تطلق على کل خلاف ومنه الکذب والتهمة.
11. روى ذلک المرحوم العلاّمة الحلی فی کتاب «کشف الحق» عن کتاب «الهاویة» (شرح نهج البلاغة للعلاّمة الخوئی 9/70).

 

القسم الثانی1ـ أبشع عصور الإسلام
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma