«ثُمَّ إِنَّ الدُّنْیَا دَارُ فَنَاء وَعَنَاء، وَغِیَر وَعِبَر; فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ، لاَ تُخْطِیءُ سِهَامُهُ، وَلاَ تُؤْسَى جِرَاحُهُ. یَرْمِی الْحَیَّ بِالْمَوْتِ وَالصَّحِیحَ بِالسَّقْمِ، وَالنَّاجِیَ بِالْعَطَبِ. آکِلٌ لاَ یَشْبَعُ، وَشَارِبٌ لاَ یَنْقَعُ. وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ یَجْمَعُ مَا لاَ یَأْکُلُ وَیَبْنِی مَالا یَسْکُنُ. ثُمَّ یَخْرُجُ إِلَى اللّهِ تَعَالَى لاَ مَالاً حَمَلَ، وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ. وَمِنْ غِیَرِهَا أَنَّکَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً، وَالْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً; لَیْسَ ذلِکَ إِلاَّ نَعِیماً زَلَّ، وَبُؤْساً نَزَلَ. وَمِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ یُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَیَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ. فَلاَ أَمَلٌ یُدْرَکُ وَلاَ مُؤَمَّلٌ یُتْرَکُ، فَسُبْحَانَ اللّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وَأَظْمَأَ رِیَّها وَأَضْحَى فَیْئَهَا، لاَ جَاء یُرَدُّ، وَلاَ مَاض یَرْتَدُّ. فَسُبْحَانَ اللّهِ، مَا أَقْرَبَ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ، وَأَبْعَدَ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُ!».