الدنیا کل یوم بلباس

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثانیالقسم الثالث

أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة مواصلة لذمّ الحیاة المادیة الدنیویة إلى صفة أخرى من صفاتها البارزة الأخرى والمتمثلة بسرعة تغیّرها وتبدّلها، إلى جانب تبدّل نعمها ونقمها، فلم یصب أحد منها سروراً إلاّ أتبعته حزناً وحسرة، ولم یذق حلاوتها إلاّ استشعر مرارتها: «لَمْ یَکُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِی حَبْرَة إِلاَّ أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةٌ، وَلَمْ یَلْقَ فِی سَرَّائِهَا بَطْناً، إِلاَّ مَنَحَتْهُ(1) مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً».

ثم أکّد (علیه السلام) هذا المعنى بأنّه لم یستشعر هبوب الریاح اللطیفة والأمطار الملائمة حتى یغرق فی سبیل من البلاء: «وَلَمْ تَطُلَّهُ(2) فِیهَا دِیْمَةُ(3) رَخَاء، إِلاَّ هَتَنَتْ(4) عَلَیْهِ مُزْنَةُ(5) بَلاَء».

ومن هنا فلا وجه للغرابة والتعجب إذا انتصرت لأحد صباحاً تنکرت له مساءاً، وإن حملت بید ظرفاً حلواً حملت بأخرى ظرفاً مرّاً: «وَحَرِیٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِیَ لَهَ مُتَنَکِّرَةً، وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ(6) وَاحْلَوْلَى(7)، أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى!(8)».

نعم، هذه هى طبیعة الدنیا وستکون کذلک، حیث تستحیل حلاوتها مرارة، ونصرها هزمة، وحیاتها موتاً، ولیست هناک أیة قدرة یسعها الحیلولة دون هذه الاستحالة والتغییر.

ثم واصل (علیه السلام) تأکید هذه الحقیقة فی أنّ الإنسان لا یصیب منها لذّة ونعمة إلاّ أتبعته غصّة ورهقة، ودفعت به إلى ما یتعبه من الشدائد والنوائب، فلا یکاد یتمتع بلذّة الأمن حتى یزعجه ألم الخوف والخطر: «لاَیَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَ(9) رَغَباً، إِلاَّ أَرْهَقَتْهُ(10) مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً، وَلاَ یُمْسِی مِنْهَا فِی جَنَاحِ أَمْن، إِلاَّ أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ(11) خَوْف».

أجل، لیست هناک من فاصلة یؤبه بها فی هذه الدنیا لا مکانیة ولا زمانیة بین السعادة والشقاء، فقد تراه أحیاناً جن علیه اللیل وقد غرق فی لذاته وشهواته وهنیىء عیشه ودعته فی هالة من فرحه وسروره، ولم یکد یطلع الصبح علیه حتى تتعالى الأصوت بالنحیب والبکاء تنعى فقده ومفارقته لهذه الدنیا، بل لعله یتجرع کأس المنون من ید أقرب مقربیه:

 

 

ثم استمر (علیه السلام) فی الحدیث عن غرور الدنیا وزوالها فقال: «غَرَّارَةٌ، غُرُورٌ مَا فِیهَا، فَانِیَةٌ، فَان مَنْ عَلَیْهَا، لاَ خَیْرَ فِی شَىْء مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ التَّقْوَى. مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُؤْمِنُهُ. وَمَنِ اسْتَکْثَرَ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُوبِقُهُ(12)، وَزَالَ عَمَّا قَلِیل عَنْهُ».

وهکذا أورد الإمام (علیه السلام) هذه الصفات التی تصور تغیر أحوال الدنیا وعدم ثباتها وأفول قدرتها وزوال موفقیاتها لیخلص إلى نتیجة مفادها ضرورة قناعة العاقل بالقلیل منها (على قدر الکفاف) لیمهد السبل أمام أمنه واستقراره وراحة باله، وذلک لأنّ من طلب المزید فیها غامر بنفسه وقذف بها فی لهوات المخاطر، فیکون بذلک قد مهد السبیل أمام شقاء نفسه وبؤسها.


1. «منحت»: من مادة «منح» على وزن مدح بمعنى العطاء.
2. «تطلّه»: من مادة «طل» على وزن تل المطر الخفیف ویقابله الوابل المطر الشدید.
3. «دیمة»: من مادة «دوام» مطر دوم فی سکون لا رعد ولا برق معه.
4. «هتنت»: من مادة «هتن» على وزن حتم بمعنى إنصبت.
5. «مزنة» قطعة من السحاب الممطر.
6. «اعذوذب»: من مادة «عذب» الفرات الزلال.
7. «احلولی»: من مادة «حلو» الطعم المعروف.
8. «أوبی»: من مادة «وبى» المرض والهلکة.
9. «غضارة»: من مادة «غضر» على وزن نذر کثرة النعم، وسعة العیش.
10. «أرهقت»: من مادة «رهق» على وزن شفق ألبسته بالقوّة والقهر.
11. «قوادم»: جمع «قادمة» الواحدة من الریشات فی مقدم جناح الطائر، وهى زلقة عادة.
12. «یوبق»: فی الأصل من مادة «وبوق» على وزن نبوغ، بمعنى الهلکة، وعلیه فیوبقه یعنی یهلکه.

 

القسم الثانیالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma