التحذیر من الفساد الاجتماعی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الأولالقسم الثانی

کما ورد فی سند الخطبة وخلافاً لما جاء فی عنوان هذه الخطبة فاننا لا نشاهد فی متنها ما یشیر إلى رعایة العدل فی الکیل والوزن، ولعل ذلک یعود إلى أحد سببین: إمّا أنّ المرحوم السید الرضی (رضی الله عنه) قد حذف بعض جوانب الخطبة المتعلقة بالکیل والوزن حسب طریقته فی اختیار الأفصح، أو لیس هنالک من حذف فی الخطبة إلاّ أنّ الإمام (علیه السلام) خطب بهذه الخطبة فی ظروف حین اتسع الفساد فی الکیل والوزن والتطفیف فی البیع وظلم الناس وساد ذلک فی المجتمع، وبالنظر إلى ذلک أورد الإمام (علیه السلام) هذه الخطبة لیحذر المردة، بعبارة أخرى فانّ شأن وورد الخطبة قضیة الکیل والمیزان وإن لم یذکر ذلک صریحاً فی متنها، إلاّ أنّه ذکر من خلال الدلالة الالتزامیة، على کل حال خاطب الإمام (علیه السلام) عامة الناس وقد حذرهم من تقلب الدنیا وفساد المجتمع فقال: «عِبَادَ اللّهِ، إِنَّکُمْ ـ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنیَا ـ أَثْوِیَاءُ(1) مُؤَجَّلُونَ، وَمَدِینُونَ مُقْتَضَوْنَ: أَجَلٌ مَنْقُوصٌ، وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ».

فقد شبّه الإمام (علیه السلام) وضع أهل الدنیا بهذه العبارة بالضیوف الذین دعوا لمدّة معینة فی ضیافة، وبالأفراد المدینین الذین لا یترکهم دائنوهم، فمن الطبیعی ألا یرى الضیف دار المضیف محطته الأبدیة، فهم لا یتعلق بها أبداً ولا یثق بها ولا یحرص علیها، ولیس الشخص المدین الذی یتابع دائماً من قِبل الدائن من سبیل سوى منحه کل ما یجد بالتدریج، أملاً بأن یأتی الیوم الذی یکون قد سدد فیه کل دینه، کأنّ العمر الذی منحنا الله تعالى من دیوننا التی تؤخذ منّا کل لحظة، والمشکلة المهمّة أنّ إلى جانب ذلک العمر المتقلب والذی ینقضی بسرعة أعمالنا التی نقوم بها والتی تحفظ ویجب علینا تحمل تبعاتها.

ورى بعض شرّاح نهج البلاغة عن بعض الصلحاء قوله: «مَا أَدرِی کَیفَ أَعجَبُ مِنَ الدُّنیا! أَمن حُسنِ مَنطَرِها وَقُبحِ مَخبَرِها أَم مِنْ ذَمِّ النَّاسِ لَها وَتَناحُرِهُم عَلَیها»(2).

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه قائلاً: «فَرُبَّ دَائِب(3) مُضَیَّعٌ، وَرُبَّ کَادِح(4) خَاسِرٌ».

صحیح أنّ السعی والجهد رمز الموفقیة والنجاح، إلاّ أنّ هذا لیس قانوناً کلیاً، فهناک الأفراد الذین أفنوا عمرهم فی السعی والجد وأجهدوا أنفسهم لیل نها ولم یظفروا بشیء، وهذا أحد إحباطات الإنسان فی الحیاة الدنیا، ولعل العبارة إشارة إلى السعی المتعلق بالأمور المادیة أوالمعنویة، لأنّهم کثیرون هو الأفراد الذین أجهدوا أنفسهم من أجل الوصول إلى المقامات المعنویة والنجاة الاُخرویة، ولکن تسللت إلیهم أهواء النفس ووساوس الشیطان فی اللحظات الحساسة فاشتعلت النیران فی مزارع طاعتهم وأحرقت کل شیء، ثم أشار إلى الأوضاع المزریة لزمانهم وإقبال الناس على المساوىء وفرارهم من الصالحات فقال: «وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِی زَمَن لاَ یَزْدَادُ الخَیْرُ فِیهِ إِلاَّ إِدْبَاراً، وَلاَ الشَّرُّ فِیهِ إِلاَّ إِقْبَالاً، وَلاَ الشَّیْطَانُ فِی هَلاَکِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً. فَهذَا أَوَانٌ قَوِیَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَکِیدَتُهُ،وَأَمْکَنَتْ فَرِیسَتُهُ(5)».

فهذه العبارات الصریحة والواضحة تشیر إلى مدى سقوط الوضع الأخلاقی للمسلمین فی ذلک العصر والزمان بفعل الحکومات المستبدة، ومدى الوسط المضحک الذی واجهه الإمام(علیه السلام)فی عهده، نعم إن فسد مسؤولوا البلاد ومن کان على رأس الحکومة فانّ الفساد سیشمل کل شیء «النّاس عَلى دینِ مُلُوکِهِم».

فما الذی یمکن توقعه من الناس إن وزع الخلیفة أموال بیت المال المسلمین على بطانته، وولى قرابته الطالحة ونصبهم فی المواقع الحساسة، وتعاطى عامله الشراب علانیة لیدخل المحراب فیصلی بالناس جماعة ثملاً، ویمارس الآخرون الرذیلة والأعمال البشعة، أو لیست سلطة الشیطان بالتکالب على الدنیا وإبتاع الأهواء؟

نعم، إنّ سادت هذه الأمور تیسرت حکومة الشیطان، فقد ورد فی الخبر أنّ ابن عمر وبعض ولد أبی بکر وسعد بن أبی وقاص قصدوا علیاً (علیه السلام) حین خلافته وسألوه زیادة العطاء من بین المال، فصعد (علیه السلام) المنبر وخطب الناس قائلاً: «... إذا مَنعتُهُم مَا کانُوا فِیهِ یَخُوضُونَ وَصَیّرتُهُم إلى مَا یَستَوجِبُونَ فَیَفقِدون ذَلکَ فَیسأَلُونَ وَیَقُولُونَ: ظَلَمنا ابنُ أبی طالب وَحَرَمنا وَمَنعنا حُقوقَنا ـ إلى أن قال ـ أَمّا أَنَّی أَعلَمُ الّذی تُرِیدُونَ وَیُقِیمَ أَودکم، وَلَکن لا أَشتَری صَلاحَکُم بِفَسادِ نَفسِی...»(6).

ثم قال: «اِضْرِبْ بِطَرْفِکَ(7) حَیْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ ]تنظر [إِلاَّ فَقِیراً یُکَابِدُ(8)فَقْراً، أَوْ غَنِیّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللّهِ کُفْراً، أَوْ بَخِیلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللّهِ وَفْر(9)، أَوْ مُتَمَرِّداً کَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْر(10)!».

فقد رکز الإمام (علیه السلام) بهذه العبارات البلیغة والرائعة على أربع فئات محرومة أو منحرفة تشکل أساس فساد المجتمع وإنهیاره:

الأولى: الفقراء الذین یقعون أسرى الفقر، وهو الفقر الذی عبرت عنه الروایات بالقول: «کَادَ الفَقرُ أَنْ یَکُونَ کُفراً».

الثانیة: الأغنیاء الذین غرقوا فی النعم والملذات والشهوات حتى نسوا کل شیء وهووا فی الکفر.

الثالثة: البخلاء الذین تصوروا أنّ البخل سبب زیادة الثروة.

الرابعة: المتمردون الذین عاشوا الغرور ولم تعد آذانهم تسمع کلام الحق.

فعبارة الإمام (علیه السلام) التی قال فیها: «اِضْرِبْ بِطَرْفِکَ(11) حَیْثُ شِئْتَ...» فلا تبصر أحداً سوى هذه الفئات الأربع دلیل على أنّ الفقر والفساد أصبح على درجة من الشمولیة بحیث ظهرت أثارهما فی کل مکان، والدلیل على تلک السعة والشمولیة ما اُشیر إلیه فی العبارة المذکورة.


1. «أثویاء»: جمع «ثوی» على وزن قوی بمعنى الضیف وفی الأصل من مادة «ثواء» بمعنى الإقامة فی مکان.
2. شرح نهج البلاغة ابن أبی الحدید 8/247.
3. «دائب»: من مادة «دؤوب» على وزن غروب المداوم فی العمل.
4. «کادح»: من مادة «کدح» على وزن مدح الساعی بجهد ومشقة فی القیام بعمل.
5. «فریسة»: من مادة «فرس» على وزن قرض بمعنى الصید.
6. اصول الکافی 8/551.
7. «طرف»: وردت أحیاناً بمعنى العین، وأخرى حرکة جفن العین، کما استعملت بمعنى النظر لأنّ الأجفان تتحرک حین النظر.
8. «یکابد»: من مادة «کبد» بمعنى تحمل المشقة وهذا هو المعنى المراد بها فی العبارة، کما وردت بمعنى الجعل فی المشقة.
9. «الوفر»: بمعنى الوفیر والکثیر.
10. «الوقر»: بمعنى الثقل.
11. «طرف»: وردت أحیاناً بمعنى العین، وأخرى حرکة جفن العین، کما استعملت بمعنى النظر لأنّ الأجفان تتحرک حین النظر.

 

القسم الأولالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma