یمثل هذا القسم من الخطبة فی الواقع استمراراً للقسم السابق وهو إشارة إلى حوادث آخر الزمان یتعرض بادىء الأمر فیها إلى المعارک الدمویة المدمرة التی تثقل کاهل المجتمعات البشریة ویعمّ الظلم والجور کافة الأماکن، ثم یظهر رمز العدل الإلهی فینهی النزاعات والاقتتال ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ویوفر کافة مستلزمات الراحة والرفاه، فقال (علیه السلام) بأنّ هذا الوضع سیتواصل: «حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِکُمْ عَلَى سَاق، بَادِیاً نَوَاجِذُهَ(1)»، ثم أشار إلى الانتصارات التی تتحقق فی بدایة الحرب والمرارة التی تختتم بها فقال: «مَمْلُوءَةً أَخْلاَفُهَ(2)، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَم(3) عَاقِبَتُهَا»، وکأنّ الحرب تنطوی على لبن حلو وفی نفس الوقت مسموم بحیث یجذب الأفراد المهوسین لیأملوا بتحقیق نصر خاطف سریع، بینما یصرعون ویهلکون فی نهایة الأمر، ثم أشار الإمام إلى ظهور حکومة العدل الإلهی: «أَلاَ وَفِی غَد ـ وَسَیَأْتِی غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ یَأْخُذُ الْوَالِی مِنْ غَیْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِىِ أَعْمَالِهَا».
ثم تطرق إلى ذکر الأوضاع المطلوبة المفعمة بالخیر والبرکة والتی تحصل بعد قیامه فقال: «وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِیذَ(4) کَبِدِهَا، وَتُلْقِی إِلَیْهِ سِلْماً مَقَالِیدَهَا، فَیُرِیکُمْ کَیْفَ عَدْلُ السِّیرَةِ، وَیُحْیِی مَیِّتَ الْکِتَابِ وَالسُّنَّةِ»، فمن جانب: یتم اکتشاف المعادن النفیسة باطن الأرض بسهولة.
ومن جانب ثان: بیده مقالید تلک الکنوز أو مقالید حکومة أرجاء الأرض.
ومن جانب ثالث: یبسط العدل والقسط بالاستناد إلى التمتع بتلک المصادر الغنیة وهذه الحکومة الشاملة.
ومن جانب رابع: یحیى التعالیم المندرسة والقیم المغیبة للقرآن والکریم والسنّة الشریفة، وهکذا تسیر البشریة باتجاه التکامل على المستوى المادی والمعنوی، فالعقول تتم فی ظلّ حکومة الإمام المهدی (علیه السلام)، وتحیى القیم الإنسانیة وتفیض النعم بأنواعها على الناس ویطاح بصنم الظلم والجور.
وقد وردت مثل هذه العبارات فی الروایات المتعلقة بقیام الإمام المهدی (علیه السلام) فقد روی عن الإمام الباقر (علیه السلام) أنّه قال: «وتَظهرُ لَهُ الکُنُوزُ ویَبلُغُ سُلطَانُهُ المَشرِقَ والمَغرِبَ، وِیُظْهِرَهُ دِیَنهُ عَلىَ الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکوُنَ فَلا یَفقَى عَلَى وَجهُ الأَرضِ خَرابٌ إِلاّ عُمِّرَ»(5).
وقا فی موضع آخر: «یَملأُ اللهُ بِهِ الأَرضَ عَدلاً وَقِسطَاً کَمَا مُلِئَتْ ظُلمَاً وَجَوراً، فَیَفتَحُ اللهُ لَهُ شَرقَ الارضِ وَغَربِهـا»(6).