تحدّث الإمام (علیه السلام) فی المقطع الأول والثانی عن صفات الله سبحانه والقرآن الکریم، ثم أشار هنا بعبارات قصیرة عمیقة المعنى إلى النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی أنّ الله تعالى أرسله بالإسلام بعد مدّة وفترة من الرسل السابقین حین کان النزاع قائماً على قدم وساق بین الأفراد فی دفاع کل عن معتقده فقال: «أَرْسَلَهُ عَلَى حِینِ فَتْرَة(1) مِنَ الرُّسُلِ، وَتَنَازُع مِنَ الاَْلْسُنِ».
فالعبارة: «تَنَازُع مِنَ الاَْلْسُنِ»، إشارة إلى أنّ الحوادث التی تدور بین أتباع المذهب المختلفة بما فیهم عبدة الأوثان وأهل الکتاب ومن لیس له دین وعقیدة، لم تکن حوارات منطقیة ذات محتوى فکری وعقلی، بل کان کل یسطّر بعض الألفاظ بدافع التعصب لإثبات أحقیقته، بل کان هذا النزاع والاختلاف اللفظی أحیاناً مصدر معارک طاحنة وسفک دماء غزیرة.
ثم قال (علیه السلام): «فَقَفَّى(2) بِهِ الرُّسُلَ،وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْیَ»، فقد أشار الإمام إلى نقطتین: الأولى أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) واصل مسیرة الأنبیاء الماضین، وذلک لأنّ مسرتهم بصورة کلیة واحدة، والثانیة أنّه بلغ بتعالیمهم الکمال وختم بهم النبوّة، ثم إختتم کلامه (علیه السلام) بالقول: «فَجَاهَدَ فِی اللّهِ الْمُدْبِرِینَ عَنْهُ، وَالْعَادِلِینَ(3) بِهِ».
فالواقع هو أنّ الکفّار فریقان: فریق نسى الله تعالى بالمرّة ولا یعتقد بالحق، وفریق آخر مشرک جعل لله سبحانه شریکاً، وقد جاهد النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) کلا الفریقین، جهاد ثقافی وإعلامی وخاضه لمدّة ثلاث عشرة سنة وقد أسلم العدید منهم، وعندما شاهد الفریق المعاند الذی حال دون إقبال الناس على الدین الله خاض الجهاد المسلح لیقضی على تلک الموانع دون أن یجبر أحداً على قبول دینه ذلک لأنّه: (لاَ إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ...)(4)، وزبدة الکلام فقد أوجز الإمام (علیه السلام) جمیع أنشطة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) فی الجهاد، وهو الجهاد ذو المفهوم الواسع والذی یشمل کل سعی وجهد من أجل نشر دین الحق، والعبارة جاهد فی لله إشارة لطیفة فی أنّه لم یکن أسیراً للمال أو المقام والجاه والجلال، بل جاهد من أجل الله سبحانه وسعى لنجاة العباد.