هذا المقطع من الخطبة فی الواقع تأیید وتأکید للقسم الأول، وقد أشار إلى ثلاث نقاط، الأولى: الدلیل الذی أقامة الإمام (علیه السلام) على عدم حضور الخلیفة فی میدان الحرب فقال: «إِنَّ الاَْعَاجِمَ إِنْ یَنْظُرُوا إِلَیْکَ غَداً یَقُولُوا: هذَا أَصْلُ الْعَرَبِ، فَإِذَا اقتطعتموه ]قَطَعْتُمُوهُ [اسْتَرَحْتُمْ، فَیَکُونُ ذلِکَ أَشَدَّ لِکَلَبِهِمْ(1) عَلَیْکَ، وَطَمَعِهِمْ فِیکَ».
الثانیة: «فَأَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ مَسِیرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِینَ; فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ، هُوَ أَکْرَهُ لِمَسِیرِهِمْ مِنْکَ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْیِیرِ مَا یَکْرَهُ»، وتشیر العبارة إلى أنّ عمر قال سابقاً بأنّ الأعاجم قد زحفوا نحونا وینوون قتالنا وهذا یدلّ على ما یرونه فی أنفسهم من قوّة، ولعل الأمر کان کذلک حسب الظاهر وما تفیده الشواهد التاریخیة، إلاّ أنّ الإمام (علیه السلام) ذکر بقدرة الله الخاصة من أجل رفع معنویاته وهو الأمر الذی لمسه المسلمون کراراً فی غزواتهم، ومن الطبیعی أن یتعقد الأمر لو بقی المسلمون فی دیارهم وهجم علیهم العدو فما أمراهم لو توکلوا على الله وتصدوا للعدو خارج بلادهم.
الثالثة: أنّ الخلیفة الثانی کان یخشى عدم التکافىء وموازنة القوى بین المسلمین والأعداء، فرد علیه الإمام (علیه السلام) بالقول: «وَأَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّا لَمْ نَکُنْ نُقَاتِلُ فِیَما مَضَى بِالْکَثْرَةِ، وَإِنَّمَا کُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ!»، فقد کان عمر یرى قوّة العدو واقتداره فی أمرین، أحدهما کثرتهم وزیادة عددهم، والآخر حرکتهم وهجومهم على بلاد الإسلام.
وقد صرح الإمام(علیه السلام) إننا لم نقاتل العدو وننتصر علیهم بهذه القوّة الظاهریة، وقد أیدنا الله بنصره ومدده العینی فی جمیع مواقف القتال، وقد انتصرنا رغم قلّة العدد وکثرة العدو وهجومه علینا، وهکذا شجعه الإمام (علیه السلام) على مواجهة العدو، وأکد وأیضاً عدم حضوره شخصاً فی الحرب، واستجاب له عمر وکان النصر حلیف المسلمین.
1. «کلب»: بمعنى الأذى.
