الأمل بالله فی القحط والجفاف

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الاوّلالقسم الثانی

بیّن الإمام (علیه السلام) فی بدایة هذه الخطبة الوضع المأساوی الذی أصاب الناس إثر الجفاف ومع السماء بعبارات رائعة بعیدة المعنى، حیث استهلها بستة جمل قائلاً: «اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ(1)جِبَالُنَا، وَاغیَرَّتْ(2) أَرْضُنَا، وَهَامَتْ(3) دَوَابُّنَا. وَتَحَیَّرَتْ فی مَرَابِضِهَ(4)، وَعَجَّتْ(5) عَجِیجَ الثَّکَالَى(6) عَلَى أَوْلادِهَا، وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِی مَرَاتِعِهَا، وَالْحَنِینَ إِلَى مَوَارِدِهَا!».

فققد رسم الإمام (علیه السلام) صورة واضحة بعبارات فصیحة عن الجفاف الشدید الذی أصاب الناس فی ذلک الزمان، وکشف النقاب عن وضع الجبال والأراضی والمراتع والدواب، ثم رفع یدیه بالدعاء مبتهلاً إلى الله: «اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِینَ الاْنَّةِ(7)، وَحَنِینَ الْحَانَّةِ!(8)».

کما شکى شدّة عطش الدواب وجوعها وصراخها فی أماکنها: «اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَیْرَتَهَا فِی مَذَاهِبِهَا، وَاَنِینَهَا فِی مَوَالِجِهَا!(9)».

وأردف قائلاً: «اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَیْکَ حِین اعْتَکَرَتْ(10) عَلَیْنَا حَدَابِیرُ السِّنِینَ(11)، وَأَخْلَفَتْنَ(12)مَخَایِلُ(13) الْجَوْدِ(14)».

إنّ دقّة العبارات التی استخدمها الإمام (علیه السلام) فی هذا الدعاء تشیر إلى مدى حرقة الإمام (علیه السلام)والناس من جانب، ومن جانب آخر تستبطن تصویراً عمیقاً لتلک الحادثة، فحدابیر جمع حدبار تستخدم بشأن الجمل الذی تبین عظام سنامه وقد حز لحمه بصورة تامة إثر شدّة الضعف (بسبب الجوع أو کثرة المشی).

فقد شبّه الإمام (علیه السلام) الجفاف المتواصل بهذا الجمل، ومن الطبیعی أن یدعو منظره إلى الأسى والحزن، کما أنّ رکوبه یبدو متعذراً شاقاً.

أمّا العبارة التی تضمنت «آنّة» و«حانّة» التی تستخدم کله منهما بشأ تألم الحیوان حیث تشیر الاُولى إلى الشاة والثانیة إلى الجمل، فانّما تشیر إلى حالة الألم التی کانت تعیشها جمیع الحیوانات فی ذلک القى الشدید، وبالالتفات إلى أنّ القسم الأعظم من أراضی العراق تقع بین النهرین العظیمین دجلة والفرات المروفان بوفرة المیاههما مقارنة بأنهار المنطقة یتبیّن أنّ القحط تلک السنوات على درجة من الشدّة بحیث ضیّق على أهل العراق حتى فی تلبیة الحاجات الأولیة للحیوانات (تشیر القرائن إلى أنّ الإمام (علیه السلام) ألقى هذه الخطبة بعد صلاة الاستستقاء حین کان فی الکوفة).

ثم ابتهل إلى الله سبحانه وتعالى فی أنّک الأمل والرجاء لکل بائس وحلاّل مشاکل کل طالب حاجة وقد سیطر الیأس على الناس وقد منعت السماء برکاتها والغیوم میاهها وأشرفت الحیوانات على الهلکة فنسألک ألاّ تؤاخذنا بسیئات أعمالنا ولا بوائق ذنوبنا: «فَکُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ(15)، وَالْبَلاَغَ(16) لِلْمُلْتَمِسِ. نَدْعُوکَ حِینَ قَنَطَ الاَْنَامُ، وَمُنِعَ الْغَمَامُ، وَهَلَکَ السَّوَامُ(17)، أَنْ لاَ تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا، وَلاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا».

تفید هذه العبارة أنّ أغلب الآفات والبلاء والشدّة معلولة لذنوب الناس، ولا تزال مشاکلهم قائمة مستعصیة ما لم یتوبوا إلى الله ویسألوه العفو والمغفرة، والعبارة تشبه الشکوى التی بثها نبی الله نوح (علیه السلام) إلى ربّه بشأن قومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کَانَ غَفَّاراً * یُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَار)(18)

کما ورد فی سورة الأعراف قوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَات مِنْ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ وَلَکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ)(19).

ثم طرح الإمام طلبته الأصلیة على الحق تبارک وتعالى قائلاً: «وَانْشُرْ عَلَیْنَا رَحْمَتَکَ بِالسَّحابِ الْمُنْبَعِقِ(20)، وَالرَّبِیعِ الْمُغْدِقِ(21)، وَالنَّبَاتِ الْمُونِقِ(22). سَحًّ(23) وَابِل(24)، تُحْیِی بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ».

فما ورد فی عبارات الإمام (علیه السلام) إنعکاس تام لما عاناه الناس من قحط شدید ومصائب عضال من جهة، ومن جهة أخرى تضمنت طلباً للغیوم الملبدة بالأمطار، وکذلک ربیعاً مبارکاً ونباتات طریة جمیلة وأخیراً تتجه صوب نتیجة نهائیة هى الأمطار التی تحیی الأرض وتستعید کل ما فقد؟ ولا تکون تلک السنة سنة عامرة بالبرکة فحسب، بل سنة تتلافى سنوات الجفاف السابقة.


1. «انصاحت»: من مادة «صوح» على وزن صوم بمعنى الانشقاق وقیل بمعنى الجفاف والتشقق والزوال الملازمة لبعضها البعض الآخر.
2. «اغبرت»: من مادة «غبار» وهى هنا إشارة إلى الجدب الذی یؤدّی إلى جفاف الأرض.
3. «هامت»: من مادة «هیم» على وزن حیف بمعنى الحیرة وتستعمل أحیاناً بشأن الإنسان أو الحیوان الذی لا یدری أین یذهب من شدّة العطش.
4. «مرابض»: جمع «مربض» موضع الماشیة ومبرک الغنم.
5. «عجت»: من مادة «عجیج» بمعنى الصراخ والصیاح بأعلى الصوت.
6. «ثکالى»: جمع «ثکلى» المرأة التی مات إبنها.
7. «آنة»:من مادة «أنین» وعادة ما تطلق على الشاة التی تتألم.
8. «حانة»: من مادة «حنین» التی تطلق على الجمل حین یتألم.
9. «موالج»: جمع «مولج» مدخل الشیء.
10. «اعتکرت»: من مادة «عکر» على وزن مکر بمعنى الهجوم.
11. «سنین»: اسم جمع السنوات، لکنّها ترد عادة فی العبارات کالعبارة المذکورة بمعنى القحط والجفاف (ورد معنیان لسنین فی قاموس اللغة أحدهما بمعنى السنة والآخر بمعنى الجفاف والقحط).
12. «أخلفتنا»: من مادة «خلاف» بمعنى المخالفة.
13. «مخایل»: جمع «مخیلة» على وزن قبیلة بمعنى الغیوم التی یأمل الإنسان بنزول المطر منها لکنّها لیست بماطرة.
14. «جود»: لفتح الجیم جمع «جائد» المطر الکثیر والجود بالضم بمعنى السخاء والهبة.
15. «مبتئس»: من مادة «بؤس» على وزن قرص الفقر وشدة الحاجة.
16. «البلاغ»: بمعنى الکفایة وحل المشکلة.
17. «سوام»: وسائمة الحیوان الذی یرعى فی الصحراء.
18. سورة نوح / 10 ـ 11.
19. سورة الأعراف / 96.
20. «منبعق»: من مادة «انبعاق» بمعنى انشقاق ولما کانت الغیوم حین نزول المطر تبدو منشقة وتجری منها الأمطار فقد استخدمت هذه المفردة بشأن نزول المطر.
21. «مغدق»: من مادة «غدق» على وزن شفق الماء الوفیر وتستعمل کنایة بشأن السنوات المفعمة بالخیر والبرکة.
22. «مونق»: من مادة «أنق» على وزن شفق بمعنى السرور والاعجاب بالشیء.
23. «سحّ»: بمعنى انسیاب الماء الوفیر وبصورة مستمرة.
24. «وابل»: المطر الشدید الضخم القطر.

 

القسم الاوّلالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma