ورد التأکید فی الخطبة المذکورة على مرافقة ومسایرة السواد الأعظم، أی جماعة المسلمین والابتعاد عن کافة أشکال العزلة والتفرد، فقال (علیه السلام) صراحة: «یَدَ اللّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ»، فالجماعة الإسلامیة کانت قویة ومقتدرة ذات شوکة کما کانت متحدة ومتفقة، بینما عاشت الذل والهوان والضعف کلما سادها النفاق والشقاق، فمقاطعة الجماعة الإسلامیة وبعبارة أخرى الانعزال الاجتماعی یشکل أحد الانحرافات والفکریة والعقائدیة، والأفراد الانعزالیون عادة کما یعیشون خیال العجب بالنفس فیظون أنّهم أفضل من غیرهم وعلى الآخرین أن یعظموهم، وحیث لا یرون ذلک فی الناس تشتعل فی قلوبهم نیران العداوة والبغضاء وسوء الظنّ، الأمر الذی یجعلهم یهمون أحیاناً بالثأر وقتل الأبریاء والإساءة إلى المثل الاجتماعیة، وأحیاناً أخرى یدّعی النبوة أو الإمام أو نیابة الإمام لمهدی (علیه السلام) فیصبح مصدراً لکل شقاق وفرقة ونفاق، ومن هنا نقف على عمق عبارة الإمام فی قوله: «فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّیْطَانِ، کَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ». طبعاً المراد من مسایرة الجماعة بمعنى الأکثریة الموصوفة بالإیمان والقیم الأخلاقیة والمبادیء الإنسانیة، وإلاّ فالإسلام لا یوصی بمسایرة الأکثریة الفاسدة، قال (علیه السلام) فی موضوع آخر: «لا تَسْتَوحِشُوا فِی طرِیقِ الهُدىْ لِقلَّةِ أَهلِهِ»(1). واما الذمّ الذی أورده القرآن الکریم على لسان عدّة آیات بشأن الأکثریة إلاّ کان المراد بها الأکثریة الفاسدة والمفسدة: (قُلْ لاَ یَسْتَوِی الْخَبِیثُ وَالطَّیِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَکَ کَثْرَةُ الْخَبِیثِ فَاتَّقُوا اللهَ یَا أُولِی الاَْلْبَابِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ)(2).