تضارب نعم الدنیا

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الأولالقسم الثانی

أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا القسم من الخطبة إلى أفات الدنیا التی تهدد الإنسان من کل ناحیة وقد عکس هذه الآفات بثلاث عبارات عمیقة المعنى فقال: «أَیُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِی هذِهِ الدُّنْیَا غَرَضٌ(1) تَنْتَضِلُ فِیهِ الْمَنَایَا، مَعَ کُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ(2)، وَفِی کُلِّ أَکْلَة غَصَصٌ!(3) لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى»، فهى تشیر من جانب إلى الآفات الممیتة التی تشمل الفردیة من قبیل أنواع الأمراض وحملات الحیوانات ومنازعة الأشرار والسقوط من الشاهق وإلى ذلک، وکذلک الآفات الجماعیة کالزالزل والسیول والقحط والحروب، ومن جانب أخر ذکر اقتران کل نعمة بنقمة وکل نصر ونجاح بهزیمة وفشل، أهونها ما ورد فی عبارة الإمام (علیه السلام) حین قال:

«مَعَ کُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ، وَفِی کُلِّ أَکْلَة غَصَصٌ! لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى»، فلعله یغص بالطعام ویموت رغم لذّته وشوقه إلیه، وأخیراً أشار إلى تنافر النعم الدنیویة المادیة فصرّح بتعذر جمعها، فما إن ینال واحدة حتى تفارقه أخرى، مثلاً یحرم من نعمة الولد فیهبه الله الولد لکنه یسلبه الهدوء والراحة، أو أنّه فقیر لا مال لدیه ویعیش ظروفاً صعبة فیهبه الله المال، ولکن الحرص على هذا المال وکیفیة التصرف به لا تدع له مجالاً للراحة، لیس لدیه وسیلة نقلیة فهو یعانی من المصاعب وما إن یحصل علیها حتى یعانی من مشاکل جدیدة من قبیل إنفاق المال علیها وکیفیة المحافظة علیها، وهکذا فهو لا یحصل على نعمة إلى بفراق أخرى.

والعبارة تنتضل بالنظر إلى أنّها تستعمل بشأن الأفراد الذین یشترکون فی مسابقات الرمی فهى تشیر إلى آفات الدنیا وکأنّها تتسابق لاستهداف حیاة الإنسان، والعبارة منایا جمع منیة بمعنى الموت إشارة إلى اختلاف أنواع الوفیات سواء الفردیة أو الجماعیة والتی اُشیر إلیها فی الخطبة، قد یتصور أحیاناً أنّ العبارة «لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا...»، تعبیر آخر عن الجملة «مَعَ کُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ...»، والحال العبارتان مختلفتان، فالعبارة مع کل جرعة شرق إشارة إلى أنّ بانتظار کل نعمة آفة کامنة، وأمّا العبارة لا تناولوا منها... فهى تشیر إلى أنّه لو لم یکن هنالک من آفة فانّ النعم لا تجتمع، فلا تنال واحدة إلاّ بمفارقة أخرى.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه بشرح رائع للعبارة السابقة حین قال لا تنالون نعمة إلاّ بفراق أخرى، فبیّن خمسة نماذج واضحة فی خمس عبارات فقال: «وَلاَ یُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْکُمْ، یَوْماً مِنْ عُمُرِهِ، إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِیَادَةٌ فِی أَکْلِهِ، إِلاَّ بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ. وَلاَ یَحْیَا لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ. وَلاَ یَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِیدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ یَخْلَقَ(4) لَهُ جَدِیدٌ. وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ(5)».

نعم، للإنسان حیویة خاصة حین الطفولة فان انتقل إلى مرحلة الشباب ودبّ فیه نشاطه تزوال عنه حیویة الطفولة، فان اتّجه نحو مرحلة الشیخوخة وأصبح وجوده مجموعة من التجارب والخیرات فقد نشاط الشباب، وهکذا یمنح الله الإنسان نعمة الولد ولا تمضی مدّة حتى یفقد أباه ویتعرف على أصدقاء جدد، فی حین یسلب القدماء من أصدقائه، وهکذا یحصل على نعمة ویفقد أخرى، وهذه هى طبیعة الحیاة الدنیا والنعم المادیة، فهى لا تجتمع لأحد فی أی زمان ومکان فلا تنال نعمة إلى بفراق نعمة أخرى، وهذا بحدّ ذاته إنذار لکافة الناس بعدم التعلق بنعم الدنیا وربط القلب بها، والعبارة «وَلاَ یَحْیَا لَهُ أَثَرٌ...»، إشارة إلى أنّ الإنسان إن خلّف بعض الآثار ـ سواء کانت هذه الآثار علمیة أم خیریة ذات النفع العام ـ فانّه یفقد قطعاً من أجلها طاقة من حیث الفکر والبدن، والعبارة «وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ...»، یمکن أن تکون إشارة إلى نعمة الولد والحفید حیث کلما کبر هؤلاء فقدوا بالتدریج قرابتهم الأکبر، کما یمکن أن تکون إشارة إلى کل نمو وتقدم، مثلاً یغرس الإنسان بذور جدیدة فی جانب من بستانه فی حین یعانی جانب أخر من ذبول الأشجار وموتها الواحدة بعد الأخرى.

ثم إختتم الإمام (علیه السلام) کلامه بالقول: «وَقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا، فَمَا بَقَاءُ فَرْع بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ!»، فقد ذهب أباؤنا وأسلافنا وصاروا إلى الزوال فلا ینبغی لنا إنتظار البقاء، لأنّ الفرع الزائد على الأصل لیس بممکن، وبناءاً على هذا سنلحق بهم عاجلاً أم آجلاً.

لقد رسم الإمام (علیه السلام) صورة واضحة ودقیقة فی هذا القسم من الخطبة عن الدنیا، نعم، فلهذه الدنیا نعیش فیها آفاق تختلف تماماً عن واقعها، أفاق القصور والثروات والنعم والجمال والنشاط ولکن ما إن نقترب منها حین نصطدم بصورتها القبیحة، فالإنسان من جانب ـ کما أشار الإمام (علیه السلام) ـ هو هدف دائم لسهام الآفات والبلاء، بحیث لا یسعه التهکن بمستقبله لما بعد ساعة، ومن جانب أخر فإلى جانب کل نعمة مصیبة وإلى جانب کل وردة شوکة وأخیراً لا ننال نعمة حتى نفقد أخرى، نعیش حیاة متواضعة، لکنّها مفعمة بالاستقرار، نتمنى سعة هذه المعیشة، إلاّ أننا إن نلنا منیتنا طالعتنا العدید من المشاکل، حفظ المال والثروة بحدّ ذاته مشکلة کبیرة، إلى جانب عین الحسّاد التی تصوب نحوه وأمانی الأشرار بزواله واللصوص الذین یتربصون به، وأحیاناً خیانة الزملاء والأصدقاء وهکذا سائر المشاکل التی تصب على رأسه من کل حدب وصوب والتی تقضی على استقراره بصورة تامة، ناهیک عن مختلف الأمراض التی تعرض للإنسان بفعل الجهاد، إننا خام ما دمنا شباباً فان نضجنا وعجزنا، وآنذاک یسعنا الاستفادة الصحیحة من الأموال بینما أیدینا خالیة، فان أصبحنا نملک شیئاً لم یسعنا الاستفادة منه، فهل یمکن التعلق بمثل هذه الدنیا والوثوق بها؟ یقال إنّ أحدهم طلب من ملک أن یجلس على عرشه ساعة ویسلمه مقالید الحکم ویأتمر بأمره الحرس والغلمان، فأجابه الملک لکنه أمر أن یعلق فوق رأسه بشعرة، فلما جلس على العرش شعر بالفرح الشدید، فوقعت عینه على الخنجر وأنّه معلق بشعرة فارتعش، لأنّه ظن سیقع علیه فی کل لحظة، فلمّا همّ بالهروب قیل له لم تنتهی ساعتک، فجلس خائفاً ینتظر انتهاء المدّة وهو یدعو إلى إنتهائها، ففهم إن کان السلطة من جمال فهى تشتمل على آلاف الأخطار، ولعل هناک من یهم بقتله من أقرب مقربیه کما یفید التاریخ ذلک، ورغم کل هذه المشاکل فلیس هناک من بقاء وخلود فی الحیاة الدنیا لیسعى إلیها الإنسان ویجهد نفسه من أجلها، وما علیه إلاّ السیر نحو الآخرة، وکما قال آخر خلفاء بنی اُمیة «لَمّا حَلا لَنا الدَّهرُ خَلا مِنّا»(6).


1. «غرض»: الهدف الذی یرمى بالسهام.
2. «شرق»: له معنى مصدری یعنی الاختناق بالماء.
3. «غصص»: له معنى مصدری ویعنی الاختناق بالطعام.
4. «یحلق»: من مادة «خلوق» بمعنى یبلى ویخلق من مادة خلق المراد المعنى الأول فی الخطبة.
5. «محصودة»: من مادة «حصد و حصاد» على وزن غصب بمعنى حصاد الشیء.
6. فی ظلال نهج البلاغة 4/389.

 

القسم الأولالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma