الحرص على الدنیا

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الرابع1 ـ غرور عن بعد ورعب من قرب

بیّن الإمام (علیه السلام) سلسلة من النصائح والمواعظ فی هذا المقطع من الخطبة والذی یمثل آخرها بهدف إعداد المخاطبین بحیث لو تأملها الإنسان وفکر فیها وسعه تحقیق السعادة والنجاة فقال:

«إِنَّهُ لَیْسَ شَیْءٌ بِشَرّ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ عِقَابُهُ، وَلَیْسَ شَیٌ بِخَیْر مِنَ الْخَیْرِ إِلاَّ ثَوَابُهُ».

فالإنسان بصورة عامّة یهرب من السوء والشر ویجنح نحو الخیر، وقد جبل على السعی نحو جنی منفعة ودفع الضرر، فقد اعتمد الإمام (علیه السلام) هذا الأمر الفطری لیدعو الناس إلى طاعة الله تعالى والابتعاد عن المعصیة والذنب فقال إنّ الأسوأ من السوء هو عقاب الله تعالى ومؤاخذته على الذنوب والأفضل من الخیر هو جزاء الله تعالى وثوابه على الطاعة والاحسان، من الواضح أنّ المراد من الشر والخیر (بقرینة الثواب والعقاب) هو المعصیة والطاعة، بینما یتسع معنى الشر والخیر إن توسعنا فی معنى العقاب والثواب لیشمل العقاب والثواب التکوینی (أی جزاء وبرکات الأعمال فی الدنیا).

وقد أورد الإمام (علیه السلام) مثل هذه العبارة فی موضع آخر حیث قال: «فَاعِلُ الْخَیْرِ خَیْرٌ مِنْهُ، وَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرُّ مِنْهُ»(1).

فقد إهتم الإمام فی النظرة الاُولى إلى النتائج ومن ثم إلى الأسباب والعلل، حقّاً إنّ الذی یضمره فاعل الخیر والشر أعظم ممّا یقوم به من عمل، لأنّه لا یرى توفر أرضیته وأسبابه، من جانب آخر فانّ نتائج الأعمال خالدة بینما تزول الأعمال وهذا بحدّ ذاته دلیل على أفضلیة النتائج على نفس الأعمال.

ثم أضاف الإمام (علیه السلام) نقطة مهمّة أخرى بهذا الخصوص فقال: «وَکُلُّ شَیْء مِنَ الدُّنْیا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِیَانِهِ. وَکُلُّ شَیء مِنَ الآخِرَةِ عِیَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ»، هذه حقیقة فی أنّ المتع المادیة کالسراب له منظر خاص من بعید، ولکن لا یبدو شیئاً یذکر حین یصله الإنسان، فللقصور والثروات والقدرات واللذات والمتع ظاهر أنیق من بعید، ولکن ما أن یقترب منها الإنسان حتى یرى سیل المشاکل والمصائب، فیتمنى أحیاناً أنّه لم یبلغها ویحصل علیها، فی حین ورد بشأن النعم الإلهیّة الجمّة فی الآخرة: «أَعْدَتُ لِعبـادِی مـا لا عَینٌ رأَتْ ولا اُذنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَل قَلبِ بَشَر»(2).

بل لیشعر الإنسان بالعجز عن وصف اللذة التی یعیشها فی هذه الدنیا حین مناجاته لله وإحساسه بالقرب منه والفوز برضاه.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه بأنّ الأمر إذا کان کذلک لابدّ أن یغنیکم سماع الحقائق المرتبطة بالآخرة بواسطة الأنبیاء وأولیاء الله سبحانه وتعالى عن رؤیتها: «فَلْیَکْفِکُمْ مِنَ الْعِیَانِ السَّمَاعُ، وَمِنَ الْغَیْبِ الْخَبَرُ»، من البدیهی أن یعجز الإنسان عن العالم الخارجی مادامه فی زنزانة الجسد وفی دار الدنیا الظلماء الضیقة، فلا سبیل لإدراک أوضاع الآخرة وتفاصیلها سوى ما یوصله له هؤلاء العظام من أخبار یکتفی بها.

ثم تطرق الإمام(علیه السلام) إلى أمرین منطقیین بهدف التشجیع على الإتیان بالصالحات وإجتناب السیئات فقال: «وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْیَا وَزَادَ فِىِ الآخِرَةِ خَیْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الآخِرَةِ وَزَادَ فی الدُّنْیَا. فَکَمْ مِنْ مَنْقُوص رَابِح وَمَزِید خَاسِر!»، وهذا هو الأمر الذی أشار إلیه القرآن الکریم بوضوح إذ قال: (مَثَلُ الَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللهِ کَمَثَلِ حَبَّة...)(3).

وکما قال فی موضع آخر: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ...)(4).

وبناءاً على هذا فالأموال والأعمار والإمکانات التی توظف فی مسار الآخرة إن قللت فی الظاهر شیئاً من الدنیا، ولکن فی الواقع قد تضیف أحیاناً مئة ضعف إلى ثواب الآخرة، وبالعکس فانّ الإنسان یدفع الثمن باهضاً إن أخلّ بشیء من آخرته وتنازل عن دینه وإیمانه وإنهمک بدنیاه لینال شیئاً من حطامها، قال القرآن الکریم بهذا الخصوص: (إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَیْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلا أُوْلَئِکَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِی الاْخِرَةِ...)(5).

فهل هناک من عاقل مستعد لمعاوضة الصفقة الاُولى المربحة بالثانیة الخاسرة؟!

ثم قال الإمام (علیه السلام) فی الأمر الثانی: «إِنَّ الَّذِی أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِی نُهِیْتُمْ عَنْهُ وَمَا أُحِلَّ لَکُمْ أَکْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَیْکُمْ. فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا کَثُرَ».

المراد من «ما أمرتم به» هنا الأمر فی مقابل الحظر، یعنی ما أجیز لکم بالنسبة إلى الذنوب هو أوسع وأشمل، وترک الذنب لا یؤدّی بکم إلى الضیق والعسر، بل أمامکم مسار واسع وشامل بهدف الحصول على الدین والدنیا، قطعاً إننا نصل إلى عدد محدود حین نحصی الذنوب ولا سیّما الکبائر، بینما نواجه دائرة واسعة جدّاً إن أردنا إحصاء ما أجازه الشرع المقدس، ویصدق هذا الأمر على الحلال والحرام، فما أکثر الأغذیة الحلال بالنسبه للطعام الحرام، وما أکثر معاملات الحلال قیاساً بمعاملات الحرام، کما أنّ النساء اللاتی یحلّ الزواج منهن أکثر بکثیر من تلک اللاتی یحرم الزواج منهن(6)، وعلیه فطاعة أوامر الله تعالى ورعایة الحلال والحرام لا تجعل الإنسان فی حرج، وهذا فی والواقع ردّ قاطع على اُولئک الذین یرون دین الله سلسلة من المحظورات والممنوعات، وهکذا یحث الإمام (علیه السلام) الجمیع على ترک الذنوب والمعاصی والمحرمات، وهکذا والمحدودة والحرکة باتجاه السبیل الرحب للحلال والمباح، فلیست هنالک من مشکلة فی حیاتهم المادیة ولا المعنویة.

والواقع هو أنّ هذه العبارة إشارة لما ورد فی القرآن الکریم: (وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج...)(7).

وجاء فی الحدیث النبوی الشریف: «بَعَثَنِی بِالحَنَفِیةِ السَّمحَةِ»(8).

کما صرّح القرآن الکریم قائلاً: (فَکُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمْ اللهُ حَلاَلا طَیِّباً وَاشْکُرُوا نِعْمَةَ اللهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیْکُمْ الْمَیْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِیرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَیْرِ اللهِ بِهِ...)(9).

ولما کان السعی من أجل المعاش والحرص لنیل الرزق یشکل أحد العوامل المهمّة للغفلة والکسل عن الإتیان بالفرائض الإلهیّة والخوض فی تهذیب النفس وتزکیتها، فانّ الإمام(علیه السلام)أشار إلى مسألة دقیقة، وهى ضرورة علمهم بأنّ الله قد ضمن أرزاقهم وأمرهم بالقیام بالواجبات، وعلیه فلا ینبغی لهم منح الأولویة لما ضمن والغفلة عمّا یجب علیهم الإتیان به فقال: «قَدْ تَکَفَّلَ لَکُمْ بِالرِّزْقِ وَأُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ فَلا یَکُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَکُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِکُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَیْکُمْ عَمَلُهُ»(10).

وبعبارة أخرى فانّ لدینا شیئین: الأول تحصیل الرزق والثانی القیام بالفرائض الإلهیّة، وقد تکفّل الله تعالى بضمان الأول وقلدنا مسؤولیة الأمر الثانی، ومن هنا لابدّ أن نبذل ما فی وسعنا بالأمر الثانی، والحال القضیة على العکس فی أنّ أغلب الناس یرکزون جهودهم ویبذلون قصارى سعیهم ویشغلون فکرهم من أجل تحصیل الرزق والمعاش ویولون ظهورهم لیتناسوا الواجبات والفرائض الملقاة على عاتقهم.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه قائلاً: «مَعَ أَنَّهُ وَاللّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّکُّ وَدَخِلَ(11) الْیَقِینُ، حَتَّى کَأَنَّ الَّذِی ضُمِنَ لَکُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَیْکُمْ، وَکَأَنَّ الَّذِی قَدْ فُرِضَ عَلَیْکُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْکُمْ».

ویبدو أنّ هذه العبارة تشبه ما ورد عن أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) فی مقارنته لطلب العلم بطلب المال حیث قال: «أَیُّها النّاسُ اعلَمُوا أَنَّ کَمـالَ الدِّینِ طَلَبُ العِلمِ وَالعَمَلُ بِهِ، ألا وَإنَّ طَلَبَ العِلمِ أَوجَبُ عَلَیکُم مِنْ طَلَبَ المالِ إِنَّ المالَ مَقسُومٌ مَضمُونٌ لَکُم قَدْ قَسَّمَهُ عادِلٌ بَینَکُم وَضَمِنَهُ وَسَیَفِی لَکُم وَالعِلمُ مخْزُونٌ عِندَ أَهلِهِ وَقَدْ أُرتُم بِطَلَبِهِ مِنْ أَهلِهِ فَاطْلُبُوهُ»(12).

لا شک أنّ المقصود بالعبارات المذکورة لیس إیقاف الناس لأنشطتهم الاقتصادیة الإیجابیة ویتخلون عن مساعیهم من أجل ضمان الحیاة المشرفة، بل الهدف هو الحدّ من الحرص والتکالب على الدنیا والجنوح نحو الشره الذی یصد الإنسان عن العلم والمعرفة والأمور المعنویة.

ثم خلص الإمام (علیه السلام) إلى هذه النتیجة: «فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وَخَافُوا بَغْتَةَ(13) الاَْجَلِ، فَإِنَّهُ لاَ یُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا یُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ. مَا فَاتَ الْیَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِیَ غَداً زِیَادَتُهُ. وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ یُرْجَ الیَوْمَ رَجْعَتُهُ»، نعم، «الرَّجاءُ مَعَ الجَائِی وَالیأسُ مَعَ المَاضِی».

حقاً إنّه منطق بلیغ واضح فی عدم إمکانیة عودة ساعات العمر بأی شکل من الأشکال، فی حین یمکن استعادة متع الدنیا وفی کل الظروف وتدارکها، بناءاً على هذا فالذی یقوله العقل لابدّ من الحزم والحساسیة تجاه الأمور التی یمکن عودتها، لا الأمور التی إن فقدت الیوم أمکن الحصول علیها بالغد، والحال أنّ أغلب الناس یتصرفون على العکس من هذا الأمر، فأصواتهم ترتفع بالصراخ إلى عنان السماء لمجرّد فقدانهم لشیء من حطام الدنیا، بینما لا یأبهون لتصرم الأیام والأسابیع والأشهر والسنوات، وهذا یدعو إلى الدهشة والعجب، وهذا ما دفع بالإمام (علیه السلام) للتأکید على هذا المطلب وشبهه فی هذه الخطبة وسائر الخطب.

ورد فی الخبر أنّ شخصاً أتى إلى الإمام السجاد (علیه السلام) وقد شکى إلیه وضعه وکأنّه کان یعانی من قلّة الرزق فرد علیه الإمام (علیه السلام) أنّ بنی آدم (علیه السلام) مساکین یشهدون ثلاث مصائب کل یوم ولا یعتبرون بها ولو اعتبروا بها لهانت علیهم المصائب، المصیبة الأولى: کل یوم یمر علیهم یذهب من عمرهم (لکنهم لا یأسفون على ذلک) لکنهم یحزنون إن قلّ مالهم، والحال هناک خلف للدنیار والدرهم بینما لیس للعمر من عودة قط، المصیبة الثانیة: هو أنّ الإنسان یرتزق کل یوم فان کان رزقه حلالاً کان فیه حساب وإن کان من الحرام فیه عقاب، المصیبة الثالثة وهى أعظمها جمیعاً: «مَا مِنْ یَوم یُمسِی إلاّ وَقَدْ دَنا مِنَ الآخرَةِ مَرحَلَةً لا یَدرِی عَلَى الجَنَّة أم عَلى النَّارِ»(14).

وفی ختام الخطبة نصح الناس من خلال الوعظ بالآیات القرآنیة فقال:(فاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

والقول مستوحی من قوله تبارک وتعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا فاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(15).


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار 32.
2. بحار الانوار 8/191، ح168.
3. سورة البقرة / 261.
4. سورة التوبة / 111.
5. سورة آل عمران / 77.
6. الواقع أنّ العبارة «إنّ الذی أمرتم به..» إشارة إلى الأحکام التکلیفیة الخمسة، والعبارة «ما أحل لکم...» ناظرة إلى الأحکام الوضعیة، وعلیه فلا داعی لأنّ نعتبر العبارتین مترادفتین للتأکید کما ذهب إلى ذلک بعض شرّاح نهج البلاغة.
7. سورة الحج / 78.
8. بحار الانوار 22/264.
9. سورة النحل / 114 ـ 115.
10. یعتقد بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ «طلبه» فی العبارة المذکورة لیست نائب فاعل للمضمون ونائب الفاعل هو «الرزق» التی وردت فی العبارات السابقة، وإلاّ أدنى تأمل یکشف أنّ هذا المطلب ینقض نسق العبارتین المذکورتین (المضمون لکم... المفروض علیکم) والحال یقتضی الانسجام بین هاتین العبارتین أن یکون کل من «طلب» و«عمل» نائب فاعل أحدهما للمضمون والآخرى للمفروض، وعلیه یصبح معنى الجملة «لا ینبغی أن تولون الأهمیّة للشیء الذی ضمنه لکم الله وتغفلون عمّا وجب علیکم من عمل» بعبارة أخرى فانّ الطلب هنا بمعنى تحصیل وإعداد الرزق من جانب الله تعالى.
11. «دخل»: یعنی الفساد فی مثل هذه الأمور ودخل على وزن دعل بمعنى الأمور الفاسدة التی تتسلل داخل الإنسان فتؤثر على عقله.
12. اصول الکافی 1/30.
13. «بغتة»: من مادة «بغت» على وزن وقت یعنی الشیء الذی یحدث فجأة.
14. بحار الانوار 75/16.
15. سورة آل عمران / 102.

 

القسم الرابع1 ـ غرور عن بعد ورعب من قرب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma