الدنیا الغرارة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الأولالقسم الثانی

إستهل الإمام(علیه السلام) الخطبة بتحذیر الجمیع من هذه الدنیا الفانیة والغرارة، ثم أماط اللثام عن ماهیة واقعها وحقیقتها من خلال وصفها والتعرض لغرورها وخداعها بثمان عشرة عبارة، فقال(علیه السلام) أحذرکم من هذه الدنیا ذات الظاهر اللطیف الذی إنطوى على اللذّات والشهوات، الأمر الذی یجعلها تشد إلیها الأنظار بفعل عینیتها ومثولها للإنسان رغم ضحالة نعمها وتفاهتها، إلاّ أنّها تحلّت بالآمال وتزیّنت بالغرور لتسوق إلیها هذا الإنسان:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّی أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا; فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ، وَرَاقَتْ(1) بِالْقَلِیلِ، وَتَحَلَّتْ بِالاْمَالِ، وَتَزَیَّنَتْ بِالْغُرُورِ».

فالإمام(علیه السلام) یرى خداع الدنیا فی حلوّ ظاهرها المحفوف بالشهوات، فهى محببة إلى النفوس کونها ماثلة للعیان ملموسة، وهذا هو المعنى المراد من العبارة «تَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ».

أمّا العبارة «رَاقَتْ بِالْقَلِیلِ»، فهى إشارة إلى أنّ الدنیا قد زینت متاعها القلیل بالشکل الذی جعلها تستقطب قلوب عبدة الدنیا المتکالبین على حطامها.

بینما أشارت العبارت «تَحَلَّتْ بِالاْمَالِ» إلى زیف هذه الزینة التی تحلّت بها الدنیا، حیث تفتقر إلى الواقع، بل زینت مظهرها بالآمال والخیالات الفارغة الزائفة، وهذا هو المعنى الذی أکدته العبارة «تَزَیَّنَتْ بِالْغُرُورِ»، فرصیدها الرئیسی الذی یشکل عنصر التزیین إنّما هو الغرور الخداع، ولعل الوقوف على عمق هذا المعنى یتجسد من خلال النظر من بعید إلى قصور الملوک وسلتطهم الظاهریة المرعبة، وسعة حجم أموالهم وثرواتهم، وأبهة وجلال مراکبهم وملابسهم النفیسة الفاخرة وسائر الوسائل والأدوات التی یعتمدونها فی حیاتهم ومعیشتهم التی تخطف الأبصار وتسحر القلوب، بینما الاقتراب منهم والغوص فی واقع حیاتهم لا یرى سوى البؤس والشقاء وسبل المصاعب والمشاکل التی تلف حیاتهم ومدى القلق والاضطراب الذی یسودهم من جراء المؤامرات والدسائس التی یخطط لها أعداؤهم إلى جانب الحسد والطمع الذی تکنّه لهم بطانتهم وقرابتهم.

والواقع هو أنّ هذه العبارات إقتباس ممّا صرحت به بعض الآیات القرآنیة، فقد جاء فی القرآن الکریم بشأن الحیاة الدنیا:

(وَمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ...)(2).

وجاء فی موضع آخر: (إِنَّ هَؤُلاَءِ یُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ...)(3).

کما جاء أیضاً: (زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ...)(4).

وقال تعالى أیضاً: (ذَرْهُمْ یَأْکُلُوا وَیَتَمَتَّعُوا وَیُلْهِهِمْ الاَْمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ)(5).

ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بأنّ نِعم الدنیا وسرورها إلى إنقطاع ولا دوام لها، ولیس هناک من شخص بمنأى عن مشاکلها وفجائعها، ورصیدها الخداع والغرور والضرر والخسران، معروفة بالفناء والزوال وعاقبة أمر سکانها وعمارها الهلاک والعدم:

«لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَ(6)، وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا. غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ(7) زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ(8) بَائِدَةٌ(9)، أَکَّالَةٌ غَوَّالَةٌ(10)».

نقد تناول الإمام(علیه السلام) الدنیا لیتحدث بهذه العبارات الرائعة البیان عن تقلب أحوالها وعدم ثباتها، فلیس هنالک من دوام واستمرار لأی من مفرداتها من قبیل حلاوتها وطلاوتها ونعمها وثرواتها وإمکاناتها وآمالها ورغباتها ونشاطها وعنفوان الشباب فیها، فکل هذه الاُمور محکومة بالفناء والزوال، وبناءاً على هذا فلا یرکن إلیها إلاّ الجاهل الغافل.

ثم اختتم (علیه السلام) کلامه ـ فی هذا القسم من الخطبة ـ بالقول:

«لاَ تَعْدُو ـ إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِیَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِیهَا وَالرِّضَاءِ بِهَا ـ أَنْ تَکُونَ کَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: (کَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاَْرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِیم(11)تَذْرُوهُ الرِّیَاحُ وَکَانَ اللّهُ عَلَى کُلِّ شَیْء مُقْتَدِر)(12)».

فقد عزز الإمام (علیه السلام) إثبات مراده من خلال التمسک والاستشهاد بالتشبیه الرائع الذی أورده القرآن فی سورة الکهف بشأن الدنیا، وکأنّی به قد اصطحب المخاطب إلى حیث الصحراء لیریهم صورة الربیع والخریف واهتزاز الأرض وحیوتها من نزول المظر وخروج النباتات وتفتح البراعم والزهور وحمل الأشجار للفاکهة والثمار، غیر أنّ هذه الاُمور لا یکتب لها الاستمرار والدوام، فلم تشهد هذه الحالة سوى بضعة شهور لتذبل تلک الأوراق وتنتهی تلک الثمار وتنقطع زقزقة العصافیر والطیور وتتبدل الخضرة یبوسة وجفافاً، وهذه بالضبط حقیقة الحیاة الدنیا التی تعیشها البشریة حیث یتّجه کل شیء فیها نحو الزوال فیا له من تشبیه رائع وعجیب!


1. «راقت»: من مادة «ورق» على وزن ذوق بمعنى المسرة والإعجاب.
2. سورة آل عمران / 185; الحدید / 20.
3. سورة الإنسان / 27.
4. سورة آل عمران / 14.
5. سورة الحِجْر / 3.
6. «حبرة»: من مادة «حبر» باالفتح السرور والنعمة.
7. «حائلة»: من مادة «حول» على وزن قول المتغیرة.
8. «نافدة»: من مادة «نفاد» بمعنى الفناء والعدم والزوال.
9. «بائدة»: من مادة «بید» على وزن صید هالکة.
10. «غوالة»: من مادة «غول» على وزن قول الهلکة المباغتة.
11.«هشیماً»: من مادة «هشم» بمعنى کسر الأشیاء ومن هنا تطلق على النبت الیابس المکسّر.
12. سورة الکهف / 45.

 

القسم الأولالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma