المنصب والعدالة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
نظرة إلى الخطبةبحث فی اسلوب تقسیم العطاء

أورد المرحوم الکلینی فی بدایة نقله لهذه الخطبة عن أبی مخنف أنّ جماعة من شیعة أمیرالمؤمنین(علیه السلام) اقترحوا علی تقسیم أموال بیت مال المسلمین على الزعماء والأشراف (فی أن یعطیهم من سهمهم) لتستقر الحکومة ومن ثمّ یعود إلى التسویة فی العطاء، فانزعج الإمام (علیه السلام)وأورد هذه الخطبة لیوضح لهم عدم إمکانیة الوصول إلى هدف مقدّس من خلال وسیلة لیست مقدّسة، فهذ الأمر لا ینسجم مع تعالیم الإسلام فقال: «أَتَأْمُرُونِّی أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِیمَنْ وُلِّیتُ عَلَیْهِ!».

أو لیس الهدف من الحکومة هو بسط العدل والقسط؟ کیف تقترحون علیّ تثبیت هذه الحکومة بالظلم والجور؟ هذا تناقض واضح للعیان، وهو أمر لا یرتضیه الحق تبارک وتعالى.

ثم أضاف (علیه السلام) قائلاً: «وَاللّهِ لاَ أَطُورُ(1) بِهِ مَا سَمَرَ سَمِیرٌ(2)، وَمَا أَمَّ(3) نَجْمٌ فِی السَّمَاءِ نَجْماً!».

فقد بیّن الإمام (علیه السلام) رسوخ عزمه بهذا الشأن بعبارات صریحة وقویة، فهو یقسم من جانب، ویستعمل العبارة لا أطور من جانب آخر، والمراد لیس فقط لا أفعل هذا، بل لا أقاربه ولا أحوم حوله، إلى جانب ذلک أشار إلى الحرکة المتواصلة والأبدیة للنجوم فی السماء واللیل والنهار فی الأرض، کنایة عن مراده لو کان عمری خالداً فلست مستعداً للمارسة مثل هذا الظلم والتمییز، ثم أکّد ذلک بقوله: «لَوْ کَانَ الْمَالُ لِی لَسَوَّیْتُ بَیْنَهُمْ، فَکَیْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللّهِ!».

فالعبارة وإن بدت صعبة على الأفراد الذین لیس لهم بُعد نظر واُولئک الذین یضحون بالحق والحقیقة من أجل المصلحة، إلاّ أنّ الحق هو أنّ هذه العبارة إنّما تتفق وسنّة رسول الله (صلى الله علیه وآله) وتعالیم القرآن الکریم والقیم الإسلامیة العلیا، وهذا ما سنعرض له فی البحث القادم.

ثم أشار الإمام علی (علیه السلام) إلى مفاسد الظلم والجور والتقسیم غیر العادل لأموال بیت المال فقال: «أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِی غَیْرِ حَقِّهِ تَبْذِیرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ یَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِی الدُّنْیَا وَیَضَعُهُ فِی الاْخِرَةِ، وَیُکْرِمُهُ فِی النَّاسِ وَیُهِینُهُ عِنْدَ اللّهِ».

قد یکون التبذیر والاسراف بمعنى واحد ویرادف کلّ منهما الآخر تارة، وتارة أخرى بمعنیین، لأنّ التبذیر بالمعنى الواقعی یختلف عن الاسراف، فالتبذیر من مادة بذر بمعنى نثر البذور وتستعمل حین یضیع الإنسان نعمة الله ویطرحها جانباً، وبعبارة أخرى ینفق الأموال فی غیر موضعها، أمّا الاسراف فهو المبالغة فی إستهلاک النعم بحیث یخرج من حالة الإعتدال دون أن یضیع شیئاً ظاهریاً، کأن یعد طعاماً کثیراً للغایة وفاخراً لبضعة أفراد، بینما یمکن إطعام عشرات الأفراد بتلک القیمة، فقد أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع من خطبته إلى الآثار المعنویة السیئة لصرف الأموال فی غیر مواضعها، حیث یمکن أن یحظى الإنسان فی ظلهاً بمکانة معینة إلى أجل بین الناس، بینما یسقط بالمرة أمام الله ویعرض نفسه لأشد العقاب فی یوم الجزاء، وأمّا نعته مثل هذا العطاء بالتبذیر والاسراف، فذلک لأنّه یؤدّی إلى اشاعة التبذیر والإسراف فی وسط المجتمع، فاُولئک الذین یأخذون أکثر من الحدّ اللازم، لا یسعهم غالباً إفاضة جزء منه على الآخرین، کما لا یستطیعون احتماله بأنفسهم، فلا مناص من بروز حالة التبذیر والإسراف.

ثم إختتم الإمام (علیه السلام) خطبته بالإشارة إلى الآثار الدنیویة السیئة لذلک العمل فقال: «وَلَمْ یَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِی غَیْرِ حَقِّهِ وَلاَ عِنْدَ غَیْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اللّهُ شُکْرَهُمْ، وَکَانَ لِغَیْرِهِ وُدُّهُمْ. فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ یَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِیل وَأَلاَْمُ خَدِین(4)!».

والعبارة ألأم خدین إشارة إلى أنّ اُولئک الأفراد الذین أحسن إلیهم لیس فقط لا یقدمون المساعدة لمن أحسن إلیهم فی یوم عوزه فحسب، بل تبلغ بهم الوضاعة واللؤم أن یتحولوا إلى ذامّین، أمّا ما فهمه بعض شرّاح نهج البلاغة من أنّ العبارة تعنی اللوم والتوبیخ، فلعل ذلک کون الصدیق هو المصداق الواضح للوضاعة حین الحاجة، وقد دلّ التاریخ والتجارب الشخصیة کراراً ومراراً على أن أغلب الظلمة والأثریاء الذین یغدقون الأموال على أصدقائهم، لم یمهد أحد لهم ید العون حین ذاقوا وبال أعمالهم، بل نفر عنهم أقرب أصدقاؤهم القدماء، ولعل بیت الشعر المعروف للشاعر المشهور حافظ الشیرازی والذی تتناقله الألسن ومضمونه «أنی لم أتأثر قط بما یفعله الأجانب، بقدر ما أتأثر مما یفعله الصدیق) إشارة إلى هذا المعنى.


1. «أطور»: من مادة «طور» على وزن غور بمعنى حام حول الشیء، والمفردة طور وجمعها أطوار وردت بمعنى نوع وحالة وصیغة.
2. «سمیر»: من مادة «سمر» على وزن تمر حدیث اللیل، وقال البعض أن المعنى الأصلی لهذه المادة هو الاختلاط بالنور والظلمة، ولما کانت أحادیث اللیل تتم أحیاناً فی ظلّ النور، فقد ستخدمت هذه المفردة بشأن أحادیث اللیل، وإن اطلق الأسمر على بعض الأفراد فذلک لأنّ بیاض بشرتهم مشوب باللون الغامق.
3. «أمّ»: من مادة «أم» على ورن غم بمعنى القصد، والعبارة (ما أمّ نجم فی السماء نجماً) کنایة عن طلوع النجوم وغروبها متتابعة، وکأنّ کل نجم یقصد متابعة الآخر.
4. «خدین»: من مادة «خدن» بمعنى الصداقة وخدن على وزن اذن بمعنى الصدیق وجمع ذلک أخدان.

 

نظرة إلى الخطبةبحث فی اسلوب تقسیم العطاء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma