الداء ولیس الدواء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الأولالقسم الثانی

ردّ الإمام (علیه السلام) بجواب قاطع على من اعترض علیه فی أنّ هذه المصیبة التی عصفت بکم إنّما أفرزها التحکیم وهذا جزاء من ترک الرأی السلیم: «هذَا جَزَاءُ مَن تَرَکَ الْعُقْدَةَ(1)!».

لقد صرخت بکم أن واصلوا القتال ولا تترکوه فی هذه المرحلة الحساسة فالنصر قریب، لکنکم ولیتم ظهورکم واستسلمتم لخدعة عمرو بن العاص، فأبیتم إلاّ التحکیم، کان مکر ابن العاص فی رفع المصاحف خدعة ظاهرها الإیمان وباطنها الکفر والنفاق على ضوء ما أخبر به الإمام (علیه السلام) فی الخطبة القادمة.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه وقد أقسم بالله لو أجبرتکم على الجهاد ـ والذی لم یکن یروق لکم بینما فیه الخیر الکثیر ـ حین أمرتکم بقبول التحکیم (بفعل الاضطرار واصرار الجهّال) لکان خیراً لکم، فان سلکتم سبیل الحق هدیتکم وإن انحرفتم أعدتکم إلى الصواب، ولو تخلفت طائفة منکم لاستبدلتها بأخرى (على کل حال لو أطعتمونی فی مواصلة القتال) وهذا هو الحق الذی لیس بعده إلاّ الضلال، لکن من المؤسف إنّکم لم تجیبونی، فبمن استظهر على العدو وبمن أثق؟ «أَمَا وَاللّهِ لَوْ أَنِّی حِینَ أَمَرْتُکُمْ بِهِ حَمَلْتُکُمْ عَلَى الْمَکْرُوهِ الَّذِی یَجْعَلُ اللّهُ فِیهِ خَیْراً، فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَیْتُکُمْ، وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُکُمْ، وَإِنْ أَبَیْتُمْ تَدَارَکْتُکُمْ، لَکَانَتِ الْوُثْقَى ، وَلکِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ؟».

فالإمام (علیه السلام) قد بیّن بهذا الردّ القاطع حقیقة فی أنّ نیّتی مواصلة الجهاد حتى تحقیق النصر، سیّما أننا على أعتاب النصر، وکنت مستعداً لمواصلة هذا الطریق بکل قوّة وعزم، ولذلک نهیتکم عن التحکیم، لکنکم أفراد ضعاف لا إرادة لکم وطغاة عصاة لستم مستعدین للقیام بهذا العمل، وعلیه فلم یکن لی من سبیل سوى قبول التحکیم، والحال رجعتم الآن عن رأیکم وسوّلت لکم أنفسکم الاعتراض علیَّ.

ثم أعرب الإمام (علیه السلام) عن دهشته فقال: «أُرِیدُ أَنْ أُدَاوِیَ بِکُمْ وَأَنْتُمْ دَائِی، کَنَاقِشِ الشَّوْکَةِ بِالشَّوْکَةِ، وَهُوَ یَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَ(2) مَعَهَا!».

فالتشبیه المأخوذ من المثل المعروف تشبیه غایة فی الدقة والبلاغة، فعادة ما یخرجون الشوکة التی تغوص فی الرجل بإبرة أو منقاش، فان اُرید سلّها بشوکة أخرى احتمل أن تغوص الثانیة فی الرجل أیضاً، فیزید الطین بلّة حتى أصبح الأمر بصیغة مثل تعارف عند العرب حیث یقول: «کَنَاقِشِ الشَّوْکَةِ بِالشَّوْکَةِ، وَهُوَ یَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا».

فالمثل یصرب لمن یحکم آخر لرفع الاختلاف بینه وبین شخص آخر والحال یرغب ذلک الفرد بزیادة العداوة والنزاع، فمراد الإمام (علیه السلام) إنّی اُرید أن أدفع بکم عصاة الشام بینما أنتم العصاة الذین یجب تأدیبهم، على کل حال، فانّ هذه العبارات التی تفیض معاناة تفید مدى الوضع العصیب الذی شهده الإمام (علیه السلام)، فانّ أمرهم بالهجوم ومواصلة القتال خالفوه وقالوا: علیک بالنزول لحکم القرآن، وإن طرح علیهم قضیة التحکیم اعترضوا علیه بالقول: لم تسلّم لمنطق العدو؟ فلکل هواه ورأیه، ولکل فکره ونهجه، بحیث انتهى بهم الأمر إلى إتهام أعظم إمام خلف رسول الله (صلى الله علیه وآله) على أنّه ضعیف فی التدبیر، ولیس ذلک إلاّ بسبب وجود فئة سیئة من الأتباع الضعاف، لم وکیف أصبح الأمر کذلک؟ کأنّ الحق سبحانه أراد امتحان الجمیع بهذا الزعیم الفذ.

وأخیراً شکى الإمام وعرض حاجته إلى الله سبحانه فقال: «اللَّهُّمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هذَا الدَّاءِ(3) الدَّوِیِّ، وَکَلَّتِ(4) النَّزَعَةُ(5) بِأَشْطَانِ(6) الرَّکِیِّ(7)!».

یاله من تعبیر بلیغ وموجع فی نفس الوقت، فان أصیب شخص بمرض عضال ولم یجد معه نفعاً کل علاج یقدمه الطبیب المختص، فلا یشعر مثل هذا الطبیب سوى بالملل والإرهاق، على غرار الفلاّح الذی یجهد نفسه فی استخراج الماء من البئر لیسقی به الأرض المالحة فلا تخرج بالنبات، وهذا بالضبط حال الإمام علی (علیه السلام) حین إبتلى بتلک العصابة من الجهّال المسلوبة الإیمان والإرادة لا خیر یرتجى فیهم.

ورد فی الحدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّ عیسى بن مریم (علیه السلام) قال: «دَاوَیتُ المَرضى فَشَفَیتُهُم بِاذن اللهِ وأبرأتُ الأکمَهَ والأبرصَ بإذنِ اللهِ وِعـالَجتُ المَوتى فأحییتُهم بإذن اللهُ وَعَالَجتُ الأَحمَقَ فَلَم أَقدَرْ عَلَى إِصلاحِهِ»(8).


1. «عقدة»: ما حصل علیه «التعاقد» والمراد بها هنا الرأی الصحیح والعهد على الطاعة.
2. «ضلع»: من مادة «ضلع» على وزن سبب بمعنى المیل نحو الشیء، وتعنی هنا الشبه والمثل.
3. «داء»: من مادة «دوی» بمعنى المرض الشدید.
4. «کلت»: من مادة «کلول» على وزن ملول بمعنى الضعف.
5. «نزعة»: من مادة «تزع» على وزن جمع نازع بمعنى السحب.
6. «أشطان»: جمع «شطن» على وزن وطن الحبل الطویل الذی یسحب به الماء من البئر.
7. «رکی»: جمع «رکیّة» البئر.
8. بحار الانوار 14/323، ح 36.

 

القسم الأولالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma