العود على ذمّ أصحاب الدنیا

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثالثالخطبة 114

خاطب الإمام (علیه السلام) ـ فی القسم من الخطبة والذی یمثل آخرها ـ أصحاب الدنیا وهو یسعى لإیقاظهم من سباتهم وغفلتهم من خلال الذم واللوم القائم على أساس الدلیل والبرهان فقال: «مَا بَالُکُمْ تَفْرَحُونَ بِالْیَسِیرِ مِنَ الدُّنْیَا تُدْرِکُونَهُ، وَلاَ یَحْزُنُکُمُ الْکَثِیرُ مِنَ الآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ! وَیُقْلِقُکُمُ الْیَسِیرُ مِنَ الدُّنْیَا یَفُوتُکُمْ، حَتَّى یَتَبَیَّنَ ذلِکَ فِی وُجُوهِکُمْ،وَقِلَّةِ صَبْرِکُمْ عَمَّا زُوِیَ(1) مِنْهَا عَنْکُمْ! کَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِکُمْ. وَکَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاق عَلَیْکُمْ».

نعم، هذا حال أغلب أهل الدنیا الذین لا یحزنهم فوات الأمور المعنویة بینما تنقلب أحوالهم لأدنى ضرر مادی یحیق بهم، على سبیل المثال لیس هناک ما یقلقهم إذا فاتتهم صلاة الفجر لعدّة أیّام متتالیات، أو لا یغتمون إن حرموا لسنوات من فیوضات التهجد وقیام اللیل، بینما یضجرهم خسران بضعة دارهم، فلا یتمالکون أنفسهم عن الزعیق بمن حولهم، ولعل هذا التفاوت الواضح والمخجل یستند إلى أحد أمرین: إمّا ضعف إیمانهم بالآخرة والوعد والوعید الإلهی، أو أنّهم مؤمنون بالآخرة والوعد والوعید غیر أنّ الهوى قد أحاط بقلوبهم واستولى على أنفسهم وسیطرت علیهم الغفلة بحیث لم یعودوا یروا سوى الدنیا وحطامها ومتاعها الزائل.

ثم واصل (علیه السلام) کلامه بالحدیث عن نقطة ضعف أخرى یمتاز بها طلاّب الدنیا والتی تتمثل بعدم قدرة أی أحد منهم على التعرض لعیوب أخیه (بهدف الإصلاح والنهی عن المنکر) ما ذلک إلاّ خشیة أنّ یجابهه بنفس ذلک العیب: «وَمَا یَمْنَعُ أَحَدَکُمْ أَنْ یَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا یَخَافُ مِنْ عَیْبِهِ، إِلاَّ مَخَافَةُ أَنْ یَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ».

فالعبارة تشیر إلى حرمانهم من إصلاح بعضهم البعض الآخر رغم إتصافهم بکل تلک العیوب الناشئة من حبّ الدنیا، وذلک لأنّه لا یجرأ أحد منهم أن یتصدى للإصلاح فهو یخشى الردّ من الآخرین الذین ینبرون له ویقولون: إنّ هذا العمل أو ذاک شیئاً فلم نفعله؟ وإن کنت طبیباً فهلاًّ عالجت نفسک قبل أن تهم بعلاج الآخرین (طبیب یداوی الناس وهو علیل)؟ وهل یصح اطلاق الحجر ممن کان بیته من الزجاج؟!

ثم إختتم الإمام (علیه السلام) خطبته بالقول کأنّکم قد اتفقتم على نبذ الآخرة والذوبان فی الدنیا وقد أصبح الدین لقلقة لسان، وأنّکم لأشبه بمن قام بعمله وأحرز رضى سیده ومولاه: «قَدْ تَصَافَیْتُمْ عَلَى رَفْضِ الآجِلِ وَحُبِّ الْعَاجِلِ، وَصَارَ دِینُ أَحَدِکُمْ لُعْقَةً(2) عَلَى لِسَانِهِ. صَنِیعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَأَحْرَزَ رِضَا سَیِّدِهِ».

قد تحصل أحیاناً بعض الأفعال الشائنة بین الناس دون أن یکون هناک إتفاق مسبق علیها، إلاّ أنّها على درجة من التناغم والتنسیق والانسجام وکأنّهم حضروا عدّة جلسات مخططة ومبرمجة، وقد اتفقوا على کل شیء، وما هذا إلاّ لتشابه الدوافع فی مثل هذه الاُمور، وأحد مصادیقها الواضحة یتمثل بعدم المبالاة بالقضایا المرتبطة بالآخرة والخلود إلى الدنیا المادیة.

یمکن أن یکون مثل هؤلاء الأفراد الطلاّب للدنیا من المتدینیین ظاهریاً، غیر أن تدینهم لا یتجاوز سلسلة من الشعارات والمزاعم والألفاظ وأحیاناً القلیل من العبادات، والمفردة «لعقة» تشیر إلى هذا المعنى، وقد یعیشون أحیاناً حالة من الرضى عن أنفسهم وکأنّهم عملوا بکل تکالیفهم الشرعیة ووظائفهم الإنسانیة وقد فازوا بمقام القرب الإلهی وبلوغ رضاه، والواقع هذا انحراف خطیر أشار الإمام (علیه السلام) إلیه فی آخر هذه الخطبة.


1. «زوی»: من مادة «زیّ» على وزن حیّ بمعنى الجمع والأخذ والإبعاد والمراد بها فی العبارة الفقدان والإبعاد حیث وردت بصیغة الفعل المجهول مقرونة بالفعل عن.
2. «لعقة»: من مادة «لعق» على وزن فرق بمعنى لحس الشیء وتطلق اللعقة على القلیل من الطعام الذی یجعله الإنسان بأصبعه أو ملعقة صغیرة على لسانه ویبتلعه بسرعة، وهى کنایة عن الشیء المختصر.

 

القسم الثالثالخطبة 114
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma