التحذیر من الدنیا

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الأول القسم الثانی

إتّجه الإمام (علیه السلام) فی هذا القسم من الخطبة نحو ذمّ الدنیا وأصحابها المتکالبین علیها، ثم حقّرها وعدّد عیوبها بما یوقظ کل عاقل وینبهه إلى أنّ الدنیا لا یمکنها أن تکون سبیل للنجاة وأداة للسعادة.

فقد استهل (علیه السلام) الخطبة بتحذیر مخاطبیه بما فیهم الناس آنذاک والیوم وسائر الأفراد فی کل العصور من الدنیا قائلاً: «وَأُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَة. وَلَیْسَتْ بِدَارِ نُجْعَة».

«القلعة» بضم القاف وسکون اللام المشتقة من مادة «قلع» الموضع غیر المستوطن الذی یجب أن یرحل عنه الإنسان فی أی زمان.

و«النجعة» بضم النون عکس سابقتها فهى تعنی الموضع الذی عثر فیه الإنسان على الخیر والبرکة، وقد عزم قطعاً على الاستقرار فیه، وعلیه فمفهوم کلامه (علیه السلام) أنّ الدنیا منزل مؤقت عابر ولا قیمة لها لکی یتخذها الإنسان موضعاً للإقامة والاستقرار، ثم واصل (علیه السلام) الکلام بالإشارة إلى أدلّة المطلب السابق لیقول: «قَدْ تَزَیَّنَتْ بِغُرُورِهَا، وَغَرَّتْ بِزِیْنَتِهَا. دَارٌ(1) هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا، فَخَلَطَ حَلاَلَهَا بِحَرَامِهَا، وَخَیْرَهَا بِشَرِّهَا، وَحَیَاتَهَا بِمَوْتِهَا، وَحُلْوَهَا بِمُرِّهَا».

إذا أردت الحصول على الرزق الحلال فانّ علیک أن تتحمل آلاف المصاعب والمعاناة وأن تتجاوز الطرق الوعرة والمطبات الشائکة، کما علیک أن تعد بدنک لوخز الأشواک کلما حاولت غرس الزهور، وإن إبتغیت العسل فما علیک إلاّ أن تتوقع لدغ الزنابیر، فالواقع هناک أفعى کامنة فی کل کنز ومرارة فی کل حلاوة، وعلى سبیل المثال فمن لم یرزقه الله الولد عاش الهم والغم الذی یثقل کاهله ویکدّر روحه، ولکن ما إن یرزق الولد حتى یواجه سیل المشاکل التی تعقب ذلک، وهکذا سائر النعم التی یثیر فقدانها الغم ووجودها التعب والإرهاق.

ثم أکّد (علیه السلام) ذلک الکلام على أنّه هو السبب الذی لم یجعل الله سبحانه یرضها ثواباً لأولیائه ولم یمنعها عن أعدائه: «لَمْ یُصْفِهَ(2) اللّهُ تَعَالَى لاَِوْلِیَائِهِ، وَلَمْ یَضِنَّ(3) بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ».

نعم، لو کان متاع الدنیا ثمین لخصّ بها الحق سبحانه أولیاءه وزواها عن أعدائه، لکنّها لما کانت زهیدة لا قیمة لها، فهو یهبها لکل شخص.

ثم أضاف (علیه السلام): «خَیْرُهَا زَهِیدٌ وَشَرُّهَا عَتِیدٌ(4). وَجَمْعُهَا یَنْفَدُ، وَمُلْکُهَا یُسْلَبُ، وَعَامِرُهَا یَخْرَبُ».

والعجیب لیس هناک من تدریج فی هذه التغییرات وزوال النعم وانهیار الحکومات وخراب المعمور، بل أحیاناً یتغیر کل شیء خلال ساعة، بل فی برهة من الزمان والتاریخ ملیىء بمثل هذه الحوادث المرعبة والتی تنطوی على العبر والدروس.

فکیف والحال هذه یتعلق بالدنیا عاقل؟ ویثق بنعمها؟ ویفرح باقبالها ویحزن لإدبارها؟

ثم واصل الإمام (علیه السلام) الکلام بهذا الخصوص من خلال طرحه على شکل سؤال، لینطلق الجواب علیه من باطن قلب المخاطب فیکون له أثره البالغ والعمیق: «فَمَا خَیْرُ دَار تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ، وَعُمُر یَفْنَى فِیهَا فَنَاءَ الزَّادِ، وَمُدَّة تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّیْرِ!».

لقد استعمل الإمام (علیه السلام) قمّة الفصاحة والبلاغة فی هذه التشبیهات الثلاث، فقد شبّه بادىء الأمر الدنیا بدار خاویة بالیة قد انفطرت جدرانها وأشرفت سقوطها على الانهیار، ثم شبّه عمر الإنسان بالأطعمة التی توضع على المائدة وتأخذ بالتناقص مع مرور الزمان إثر تناولها، وأخیراً شبّه فترة بقاء الإنسان فی هذا العالم بالأسفار القصیرة التی لا یکاد المسافر یحث خطاه فیها حتى ینقطع أمدها.

ثم إختتم (علیه السلام) هذا القسم من الخطبة بثلاث وصایا خاطب بها الجمیع فقال: «اِجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللّهُ عَلَیْکُمْ مِنْ طَلَبِکُمْ، وَاسْألُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَکُمْ، وَأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَکُمْ قَبْلَ أَنْ یُدْعَى بِکُمْ».

فقد أوصى الناس فی العبارة الاُولى أن یهتم الناس على الأقل بالفرائض الشرعیة بقدر طلباتهم الشخصیة فیجدوا ویجتهدوا فی هذا الأمر، لا أن یجعلوا الصدارة لحاجاتهم الدنیویة ویهمّشوا الفرائض الإلهیّة والواجبات الشرعیة.

کما یحتمل أن یکون المراد اجعلوا التوفیق للإتیان بالفرائض والواجبات الشرعیة من حاجاتکم وطلباتکم بین یدی الله تبارک وتعالى، غیر أنّ المعنى الأول یبدو هو الأنسب وذلک للإشارة إلى هذا المعنى والتی وردت فی العبارة الثانیة إذ قال: «وَاسْألُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ»، وعلیه سیکون تفسیر الجملتین تکرار لمفهوم واحد.

وأخیراً أشارت العبارة الثالثة إلى التأهب والاستعداد لمواجهة الموت من خلال أداء حقوق الناس والتوبة من الذنوب وتدارک ما فرط، وبخلافه فانّ الموت سیباغت الإنسان ویقذف به فی عالم لم یعد العدّة لدخوله.


1. وردت هذه العبارة فی سائر النسخ بهذه الصیغة «دار هانت على ربّها»، بینما یبدو أنّها وردت خطأ فی نسخة صبحی الصالح والتی أقتبست منها هذه النسخة بهذه الصیغة «دارها هانت».
2. «لم یصفها»: من مادة «الاصفاء» بمعنى الاختصاص إشارة إلى تفاهة نعم الدنیا بحیث منحها الله الجمیع.
3. «لم یضن»: من مادة «الضن» بمعنى البخل.
4. «عتید»: من مادة «عتاد» على وزن جواب بمعنى حاضر وتأتی بمعنى الإدخار.

 

القسم الأول القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma