الشرح والتفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الخامسأهمیّة القرآن ودور عبادة الدنیا فی الصراعات

أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع إلى مسائل مهمّة وقضایا مختلفة لا یبدو أنّها مرتبطة مع بضعها، ومن هنا یعتقد بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ هذه العبارات قطوف اختارها المرحوم السید الرضی من خطبة طویلة مرتبطة، وذلک لأنّه رآها أعظم فصاحة وبلاغة، وإلى هذا یعود سبب عدم رؤیتنا لإرتباط واضح بینها، ومع ذلک فهناک حکمة بالغة تختزنها هذه العبارات، فقد ساق فی البدایة تثبیتها من أجل لفت الأنظار إلى أهمیّة العلم الذی یمثل حیاة قلب الإنسان فقال: «وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَیْسَ مِنْ شَیْء إِلاَّ وَیَکَادُ صَاحِبُهُ یَشْبَعُ مِنْهُ وَیَمَلُّهُ إِلاَّ الْحَیَاةَ فَإِنَّهُ لاَ یَجِدُ فِی الْمَوْتِ رَاحَةً».

وقد صرّح أغلب شرّاح نهج البلاغة هنا سؤالاً وهو: لا ینسجم هذا التعبیر مع ما ورد فی بعض الآیات والروایات التی تصور راحة أولیاء الله سبحانه فی الموت، ومن ذلک ما ورد فی سورة الجمعة: (قُلْ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّکُمْ أَوْلِیَاءُ للهِِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ)(1). وما ورد فی سورة الواقعة: (فَأَمَّا إِنْ کَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِینَ * فَرَوْحٌ وَرَیْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِیم)(2).

فمن الطبیعی ألا یکره الموت من یرى نفسه على أعتاب الروح والریحان والجنّة الملیئة بالنعم، وقد ورد فی الحدیث النبوی الشریف: «لَیسَ لِلمُؤمِنِ راحَةٌ دُونَ لِقاءِ اللهِ»(3)، کما ورد هذا المعنى بعبارة أخرى عن الإمام الصادق أنّه قال: «لا راحَةَ لِلمُؤمِنِ عَلَى الحَقِیقَةِ إلاّ عِندَ لِقاءر اللهِ»(4).

وجاء فی الدعاءالمعروف للإمام علی بن الحسین (علیهما السلام) فی یوم الثلاثاء: «وَاجعّل الحَیاةَ زِیـادَِةً لِی فِی کُلِّ خَیر وَالوَفـاةَ راحَةً لِی مِنْ کُلِّ شَر». وقد ذکرت عدّة أجوبة على هذا السؤال أوضحها جمیعاً أنّ هذه العبارة إشارة إلى الناس الذین یهربون عادة من الموت، بینما لیس لأمر کذالک بالنسبة لخواص الله سبحانه، کما یحتمل أن یکون المراد کراهة حتى أولیاء الله تعالى للموت بفضله نهایة التزود ومواصلة مسیرتهم التکاملیة، على کل حال فقد أراد الإمام علی (علیه السلام) هذه المقدمة على أنّها نتیجة وتشیبه للعلم والمعرفة التی یرتوی منها الإنسان مطلقاً فقال: «وَإِنَّمَا ذلِکَ بِمَنْزِلَةِ الْحِکْمَةِ الَّتِی هِیَ حَیَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَیِّتِ، وَبَصَرٌ لِلْعَیْنِ الْعَمْیَاءِ، وَسَمْعٌ لِلاُْذُنِ الصَّمَّاءِ، وَرِیٌّ(5) لِلظَّمْآنِ(6)، وَفِیهَا الغِنَى کُلُّهُ وَالسَّلامَةُ».

فالواقع أراد الإمام (علیه السلام) أن هناک نوعین من الحیاة حیاة مادیة وجسمانیة والتی لا یشبع منها الناس غالباً، والحیاة المعنویة والروحانیة والأفضل منها العلم والمعرفة التی لا یرتوی منها العقلاء والعلماء قط، وبناءاً على هذا فانّ المشار إلیه «ذلک» بالضبط هو ذلک الشیء الذی ورد قبل ذلک وهو الحیاة المادیة التی لا یشبع منها الناس، والغریب هنا کما أورده شرّاح نهج البلاغة حیث ذکر کل واحد منهم احتمالاً للعبارة المذکورة، الحال تفسیرها واضح وهو یشبه ما ورد فی إحدى قصار الکلمات لأمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) إذ قال: «مَنْهُومَانِ لاَ یَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم وَطَالِبُ دُنْیَا»(7).

على کل حال فالمراد بالحکمة فی العبارة المذکورة هو العلم والمعرفة التی تقرب الإنسان من الله وتنظم أموره المادیة والمعنویة وتحول دون أعماله العبثیة، وبعبارة قصیرة کما وردت فی القرآن الکریم فانّ الخیر الکثیر یعود إلى صاحبه: (وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَیْراً کَثِیراً...)(8).

وقد یبیّن الإمام (علیه السلام) فی عبارته المذکورة العمیقة المعنى الأوصاف الخمسة للحکمة وکشف عن منزلتها فی حیاة الإنسان المادیة والمعنویة، فقال أولاً إنّ الحکمة حیاة القلب المیت، یعنی أنّ الأرواح والأفکار التی تصبح بفعل الجهل کالأموات خالیة من أیة حرکة إیجابیة، إنّما تعود إلى الحیاة فی ظلّ العلم والحکمة فتحیا وتمارس الحرکة.

وثانیاً وثالثاً أنّ الحکمة تبصر الأعمى وتسمع الأصم وتوضح الحقائق لمن غطت الحجب بصره وأثقل الوقر أذنه، بحیث یرى الحق فی کافة أنحاء الخلق ویسمع نداء تسبیح الکائنات ویدرک رسالته أولیاء الله سبحانه، وقال فی الوصف الرابع والخامس أنّ عطشى الحق لا یرتوون من منابع الحکمة ویجدون فیها أسباب عافیتهم وسلامتهم، وعلیه فلن یبقى من الخیر والبرکة والسعادة شیئاً إلاّ وقد اختزنته الحکمة.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه بالحدیث عن القرآن الکریم والذی یراه بعض شرّاح نهج البلاغة أنّه جمل استئنافیة قطع إرتباطها بالعبارات السابقة بسبب ما اعتمده السید الرضی فی الانتخاب(9)، ولکن کما أورد المرحوم البحرانی فانّه لا یمکن القول أنّ لیس هناک إرتباط بین هذه العبارات وسابقاتها حیث بیّنت أحد منافع الحکمة المهمّة وهى القرآن الکریم، أو بعبارة أخرى قد رکّزت على المصداق التام للحکمة، والجدیر بالذکر أنّ الأوصاف التی بیّنتها للقرآن تشبه الأوصاف التی بیّنتها العبارات المذکورة للحکمة، على کل حال فقد قال کتاب الله الذی تبصرون به الحقائق وتتحدثون به، وتسمعون به ینطق بعضه البعض الآخر (وتفسر فیه المتشابهات على ضوء المحکمات) ویشهد بضعه على البعض الآخر (ویؤید بعضه الآخر) ولا یختلف ما یقوله فی الله، ومن یصحبه لا یخلاف الله: «کِتَابُ اللّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ، وَتَسْمَعُونَ بِهِ، وَیَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْض، وَیَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْض، وَلاَ یَخْتَلِفُ فِی اللّهِ».

والأوصاف السبعة التی بیّنها الإمام (علیه السلام) بشأن القرآن تشبه من جهات الأوصاف الخمسة التی بیّنها بصورة کلیة بخصوص الحکمة.

والجدیر بالذکر أنّ الحکمة اقترنت بالکتاب فی غلب الآیات القرآنیة(10) والذی یدلّ على العلاقة الوثیقة بینهما وأنّ رسل الله سبحانه کانوا یمضون قدماً فی ظلّهما (الکتاب والحکمة).

من جانب آخر فانّ الأوصاف التی تضمنتها العبارة بشأن القرآن الکریم فی أنّه أساس البصر والسمع والنطق، وقد وردت الإشارة إلیها فی بعض الآیات القرآنیة ومن ذلک الآیة: (قَدْ جَاءَکُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ...)(11).

وممّا لا شک فیه أنّ الآیات الإلهیّة ودلائل الحق قد وردت بکثرة فی القرآن الکریم بحیث یسع الإنسان بواسطتها رؤیة جمال الحق ویسمع نداء الله تبارک وتعالى، وهناک فارق واضح بین العبارة: «یَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْض» والعبارة: «یَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْض»، لأنّ الحدیث فی العبارة الأولى عن آیات القرآن التی یفسر بعضها البعض، وتتضح المتشابهات فی ظل المحکمات، وأمّا العبارة الثانیة فتتحدث عن إنسجام آیات القرآن وکلّ منها یعاضد الأخرى وتشهد على صدقها، وبالعبارة: «وَلاَ یَخْتَلِفُ فِی اللّهِ»، إشارة إلى عدم اختلاف القرآن الکریم فی بیان صفات الجمال والجلال والتی تعدّ من أهم مباحث القرآن الکریم، ویتحدث بجمیع أیاته عن تلک الذات المقدّسة الجامعة لکافة الکمالات اللامتناهیة، والعبارة: «وَلاَ یُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللّهِ». إشارة إلى أنّ أی من آیات القرآن لا تبعد الإنسان عن مسار الحق، بل تأخذ بیده إلیه، فمن تمسک بالقرآن لن یضل أبداً، ومن رجاه لا یخیب، فالقرآن یعرّف نفسه: (أَفَلاَ یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلاَفاً کَثِیر)(12).

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه کطبیب حاذق وحکیم ماهر فخاض فی بیان معاناة مخاطبیه المعنویة وقد ذکرهم بنقطة مهمّة، کیف ولم عجزتم عن مواصلة سبیل الحق وعندکم هذا القرآن ـ وعلیه لا یبدو صواباً ما أورده شرّاح نهج البلاغة من عدم إرتباط العبارات اللاحقة بالعبارات السابقة، فقال بادىء الأمر کأنّی بکم قد إتفقتم على الخیانة والحسد والحقد: «قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ(13) فِیَما بَیْنَکُمْ». ثم قال: «وَنَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِکُمْ(14)»، إشارة إلى أن أعمالکم الخاطئة إنّما تفرزها أفکارکم الملوثة، وأضاف فی بیانه لنقطة ضعفهم الرابعة والخامسة فقال: «وَتَصَافَیْتُمْ عَلَى حُبِّ الاْمَالِ، وَتَعَادَیْتُمْ فِی کَسْبِ الاَْمْوَالِ»، فنقطة اشتراککم تکمن فی تعلقکم بالآمال والأمانی الفارغة، ونقطة اختلافکم فی کسب المال، حیث یرید کل منک أن یختطف المال الذی فی ید غیره.

والواقع یمکن خلاصة نقاط ضعفهم فی أربع کلمات هى الحقد والحسد والریاء وطول الأمل والنزاع من أجل کسب المال، والحق أنّ المجتمع لن یرى الأمن والاسقرار إن سادته هذه الرذائل، ولا یسوده سوى النزاع والقتال وأنواع التوتر، کما لا یعیش سوى الضعف والوهن تجاه العدو الخارجی، وإن طالعتنا بعض مظاهر الجمال فی هذا المجتمع فهى بمثابة الزهور الجمیلة التی تنبت فی المزابل وجذورها عفنة، وکأنّ الإمام (علیه السلام) أراد أن یفهمهم هذه القضیة وهى أنّ المبادىء التی سادت المجتمع الجاهلی قبل الإسلام والتی وردت الإشارة إلیها فی صدر هذه الخطبة قد إنتعشت الیوم مرّة أخرى فی وسطکم، ثم أشار الإمام (علیه السلام) فی آخر الخطبة إلى أحد الأرکان المهمة لانحرافهم والذی یتمثل بوساوس الشیاطین والتی جعلتهم یضلون سبیل السعادة والنجاة: «لَقَدِ اسْتَهَامَ بِکُمُ الْخَبِیثُ، وَتَاهَ(15) بِکُمُ الْغُرُورُ(16)، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِی وَأَنْفُسِکُمْ». قال سبحانه وتعالى فی کتابه العزیز: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَکَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَد أَبَداً...)(17)، کما قال: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمْ الشَّیْطَانَ إِلاَّ قَلِیل)(18)، استهام من مادة هیام على وزن قیام خرج لا یدری أین یذهب، فهو یمشی دون هدف حیران فلا یبلغ الهدف، ولمّا کان العاشق حیران فی حیاته فقد اطلقت هذه المفردة على العشق الشدید.

على کل حال فانّ الشیطان یحث الإنسان على العبث والعشوائیة ولا یقود ذلک سوى للحیرة والاضطراب، وهذا بدوره یلقی بالإنسان فی وادی الهلکة، وبالنتیجة فانّ صفاتهم الباطنیة القبیحة من جانب، والانقیاد لوساوس الشیاطین من جانب آخر قد مهدت السبیل لبؤسهم وشقائهم وسلبتهم بصیرتهم وسمعهم ونطقهم وفهم الصحیح، وهکذا یستعرض هذا الطبیب الربانی بهذه الخطبة الغرّاء جذور الأمراض وطرق مکافحتها وعلاجها.


1. سورة الجمعة / 6.
2. سورة الواقعة / 88 ـ 89 .
3. شرح نهج البلاغة، لابن میثم 3/157.
4. بحار الانوار 69/69.
5. «ریّ»: له معنى مصدری هو الارتواء.
6. «الضمآن»: من مادة «ظمأ» على وزن طمع بمعنى العطش.
7. نهج البلاغة، قصار الکلمات 466.
8. سورة البقرة / 269.
9. هذا الاحتمال مختار ابن أبی الحدید والمرحوم الشارح الخوئی ومحمد عبده.
10. سورة البقرة / 129، 151; وآل عمران / 48، 81 و...
11. سورة الانعام / 104.
12. سورة النساء / 82 .
13. «غل»: من مادة «غلول» أو غلل على وزن أفول وأجل تعنی فی الأصل النفوذ التدریجی والخفی للماء فی جذور الأشجار، ثم اطلق الغل الذی له معنى (الاسم المصدری) على الخیانة لأنّها تحصل بصورة تدریجیة وخفیة.
14. «دمن»: جمع «دمنة» على وزن فتنة بمعنى السرقین، کما یطلق على الحقد القدیم.
15. «تاه»: من مادة «تیه» بمعنى الحیرة ومن مادة «توه» على وزن لوح بمعنى الهلکة، ویبدو المعنى الثانی فی العبارة هو الأنسب.
16. «غرور»: إن قرأ بالضم فهو الخداع والمکر، وإن قرأ بالفتح أفاد الوصف وعنى الشخص الخادع وقد أطلقه القرآن على الشیطان، وقد ورد بالصیغة الأولى فی النسخة المعروفة لصبحی الصالح، بینما ورد بالصیغة الثانیة فی أغلب النسخ، وتبدو الصیغة الثانیة أنسب على ضوء تناسق العبارات.
17. سورة النور / 21.
18. سورة النساء / 83

 

القسم الخامسأهمیّة القرآن ودور عبادة الدنیا فی الصراعات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma