«سُبْحَانَکَ خِالِقاً وَمَعْبُوداً! بِحُسْنِ بَلاَئِکَ عِنْدَ خَلْقِکَ. خَلَقْتَ دَاراً، وَجَعَلْتَ فِیهَا مَأْدُبَةً: مَشْرَباً وَمَطْعَماً، وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً، وَقُصُوراً، وَأَنْهَاراً، وَزُرُوعاً، وَثِمَاراً; ثُمَّ أرْسَلْتَ دَاعِیاً یَدْعُو اِلَیْهَا، فَلا الدَّاعِىَ أَجَابُوا، وَلاَ فِیَما رَغَّبْتَ رَغِبُوا، وَلاَ إِلَى مَا شَوَّقْتَ اِلَیْهِ اشْتَاقُوا. أَقْبَلُوا عَلَى جِیفَة قَدْ افْتَضَحُوا بِأَکْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا، وَمَنْ عَشِقَ شَیْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ یَنْظُرُ بِعَیْن غَیْرِ صَحِیحَة، وَیَسْمَعُ بِأُذُن غَیْرِ سَمِیعَة، قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ، وَأَماتَتِ الدُّنْیَا قَلْبَُه، وَوَلِهَتْ عَلَیْهَا نَفْسُهُ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا، وَلِمَنْ فِی یَدَیْهِ شَیْءٌ مِنْهَا، حَیْثُما زَالَتْ زَالَ إلَیْهَا، وَحَیْثُما أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَیْهَا; لاَ یَنْزَجِرُ مِنَ اللهِ بِزَاجِر، وَلاَ یَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظ، وَهُوَ یَرَى الْمَأْخُوذِینَ عَلَى الْغِرَّةِ، حَیْثُ لاَ اِقَالَةَ وَلاَرَجْعَةَ، کَیْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا کَانُوا یَجْهَلُونَ، وَجَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا مَا کَانُوا یَأْمَنُونَ، وَقِدِمُوا مِنَ الاخِرَةِ عَلَى مَا کَانُوا یُوعَدُوَنَ. فَغَیْرُ مَوْصُوف مَا نَزَلَ بِهِمْ».