شدد الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة من تقریعه وصب جام غضبه على أولئک القوم، على أمل انبثاق حرکة فی خضم سکونهم المدهش وإرادتهم الخاویة، لیهبوا قبل بروز الخطر فقال(علیه السلام): «أیّها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم».
فقد رکز الإمام(علیه السلام) فی هذه العبارة على ثلاث نقاط ضعف: الاولى: غیاب العقول، وکأنّ عقولهم فارقت أبدانهم فأصبح وجودهم کبلد لیس له من مدیر ومدبر.الثانیة: عدم وجود عرى التواصل بینهم أبداً، حیث لکل منهم طلباته على ضوء اهوائهم وعقولهم القاصرة.وبالبداهة سوف لن تتمکن محل هذه الفئة من حل مشالکها، فضلاً عن مشاکل الآخرین.
الثالثة: نقطة ضعفهم تکمن فی اضطرار زعمائهم للتاقلم معهم. وقد أدت بهم هذه الصفات إلى الخواء فی میدان قتال العدو، ثم قال(علیه السلام): «صاحبکم یطیع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام یعصی الله وهم یطیعونه».
یاللعجب! فمن أطاع الله أحق بان یطاع، ومن عصاه لابدّ من معصیته والوقوف بوجهه، بینما انعکست القضیة هنا; فقد عومل مطیع الله بالجفاء، وعاصیه بالحب والاحترام!!
ثم تطالعنا عبارة لامثیل لها فی نهج البلاغة، حیث قال(علیه السلام): «لوددت والله أن معاویة صار فنی بکم صرف الدینار بالدرهم، فأخذ منی عشرة منکم، وأعطانی رجلاً منهم»، فالتأکیدات المتعددة فی هذه العبارة تفید جدیة الإمام(علیه السلام) دون أدنى مبالغة، وکأنّ أهل الشام بمنزلة سکة ذهبیة وأهل العراق فضیة. کما تفید العبارة مدى انضباط أهل الشام آنذاک حیث وقفوا بکل صلابة خلف معاویة رفم خداعه لهم; بینما لم یکن هناک أدنى انضباط لأهل العراق فلم یکن قیمة عشرة منهم تعدل قیمة واحد من أهل الشام!