خلق آدم وبعثة الأنبیاء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم العشرونالقسم الحادی والعشرون

خاض الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة فی قضیة خلق آدم بعد خلق الأرض و إعدادها من جمیع النواحی، وأنّ الله سبحانه قد أعد الأرض وانفذ فیها أمره ثم اصطفى آدم(علیه السلام) من بین جمیع خلقه: «فلما مهد أرضه، وأنفذ أمره، اختار آدم علیه السلام، خیرة من خلقه، وجعله أول جبلته»(1)، والعبارة «أول جبلته» (أول مخلوقاته) یمکن أن یکون المراد بها الإنسان الأول من حیث الترتیب الزمانی، أو أول مخلوق من حیث الموقع.

والمقام، أو کلاهما.

ثم قال(علیه السلام) بأنّ الله سبحانه أسکن آدم جنته وزوده بمختلف الأطعمة والأشریة، ثم حذره ما حظر علیه والعاقبة الخطیرة لتجاوز أمره ونهیه على مقامه وکرامته: «وأسکنه جنته، وأرغد فیها أکله، وأوعز(2) إلیه فیما نهاه عنه، وأعلمه أن فی الأقدام علیه التعرض لمعصیته، والمخاطرة بمنزلته».

نعم فقد أسکن الله آدم(علیه السلام) فی جنّة أرضیة (جنّة غناء بالفاکهة من جنان الأرض، والشاهد على ذلک قوله: «فلما مهد أرضه»، ثم بین لآدم(علیه السلام) تکلیفه وأصدر له وأوامره ونواهیه وحذره من معصیته وعدم طاعة أوامره، والعبارات وان لم تصرح بالشجرة المنهیة، غیر أنّها بینت بصورة عامة; الأمر الذی ورد کراراً فی عدّه آیات قرآنیة ومنها الآیة: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِیَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْم)(3) والآیة (وَقُلْنا یا آدَمُ اسْکُنْ أنْتَ وَزَوْجُکَ الجَنَّةَ وَکُلا مِنْها رَغَداً حَیْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونا مِنَ الظّالِمِـینَ)(4).

ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بأنّ آدم وقع فی ما حذر منه: «فأقدم على ما نهاه عنه، موافاة لسابق علمه».

قد یبدو فی البدایة أنّ العبارة: «موافاة لسابق علمه»، أنّ آدم(علیه السلام) ـ قد أجبر على المعصیة وذلک لأنّ علم الله سبق فی هذا الأمر (وهذه هى الشبهة المعروفة لدى المجبرة فی مسألة العلم الأزلی لله سبحانه)، ولکن کما ذکر نا ذلک سابقاً فی بحث الجبر والتفویض، أنّ العلم الازلی لیس سبباً الاجبار على فعل قط! لأنّ الله کان یعلم أنّ آدم(علیه السلام) سیقارف هذا العمل باختیاره، بالضبط کالاستاذ الذی یعرف تلمیذه سیسقط فی الامتحان النهائی بسبب إهماله وکسله فی الدروس. فمثل هذا العلم من قبل الاستاذ لیس له أیة صلة برسوب ذلک التلمیذ أو اجباره علیه. فهو یعلم أنّ تلمیذه اختار طریقاً خاطئاً بمحض إرادته، وقد اعتاد الکسل والتقاعس دون الجد والمطالعة والمثابرة(5) ومن هنا آخذه الله وخاطبه: (أَلَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُما الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَکُما إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُما عَدُوٌّ مُبِـینٌ)(6).

فلو کان آدم(علیه السلام) مجبوراً کیف یؤاخذه الحکیم سبحانه على فعل لم یکن مختاراً فی ارتکابه، کذلک لماذا یندم آدم(علیه السلام) على ذلک الفعل ویتوب منه، أم کیف یخرج الله سبحانه من الجنّة بذلک الفعل؟ کل هذه الاُمور تدل على عدم وجود أی تضارب بین العلم الأزلی لله سبحانه مع اختیار آدم وسائر أفراد البشر، ثم قال(علیه السلام): «فاهبطه(7) بعد التوبة لیعمر الأرض بنسله، ولیقیم الحجة به على عباده».

فبالنظر للعبارة السابقة «أسکنه جنّته» یفهم أنّ هبوط آدم ونزوله لم یکن هبوطاً مکانیاً، بل مقامیاً، أی أنّ الله أهبط آدم من ذلک المقام الرفیع الذی کان علیه لترکه ذلک الاولى.

والعبارة: «لیعمر أرضه بنسله» تفید أنّ هدف کافة الأفراد لابدّ أن یکون إعمار الأرض لا اخرابها با الحروب والقتال والنزاعات والخلافات أو الخمول والکسل والتقاعس عن العمل أو حتى تلویث البیئة السالمة! والطریف أنّ هذا الاعمار جاء بعد التوبة، فما لم یتب الإنسان من أخطائه وزلله لا یوفق لهذا البناء والاعمار، فقد جاء فی القرآن الکریم (هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الأَرضِ وَاسْتَعْمَرَکُمْ فِیها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ)(8).

کما یستفاد من العبارة: «فأهبطه بعد التوبة» بأنّ ذلک الهبوط قد حصل بعد التوبة.

النقطة المهمة الاُخرى فی العبارة والتی أشیر إلیها مراراً فی القرآن مسألة اتمام الحجة على العباد. فالله سبحانه وإن زود الإنسان بالعقل، إلاّ أنّه لم یکتف بذلک فواتر إلیه کتبه ورسله وأنبیائه والدعاة إلى طاعته ـ فی کل عصر ومصر ـ لیتم الحجة على العباد، وهذا ما أورده الإمام(علیه السلام) فی حدیثه بین بنی آدم وواتر إلیهم الأنبیاء لیؤدوا رسالات ربّهم ویقیموا علیهم الحجج: «ولم یخلهم بعد أن قبضه، ممّا یؤکد علیهم حجة ربوبیته، ویصل بینهم وبین معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخیرة من أنبیائه، ومحتملی ودائع رسالاته، قرن(9) فقرناً; حتى تمت بنبینا محمد(صلى الله علیه وآله) حجته، وبلغ المقطع (10) عذره ونذره(11)»، تفید بعض الآیات القرآنیة وجود التوبة سابقاً، کما تفید آیات اُخرى وجودها لا حقاً، ویمکن الجمع بینهما، فی أنّ آدم(علیه السلام) تاب مرات من خطیئته من قبل الهبوط وبعده، وما أکثر ما یخطئى الإنسان ویکثر من الاستغفار کلما عرض له ذلک الخطاء. العبارة «لم یخلهم بعد أن قبضه»(12)، تفید أنّ آدم(علیه السلام) هو أحد أنبیاء الله وحججه، وأنّ الله واتر أنبیائه بعد آدم(علیه السلام) حتى ختمهم بالنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، وهنا یبرز هذا السؤال: إذا کان اتمام الحجة ضرورة فی کل زمان ومکان / لم ختمت النبوة بالرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) فکان(صلى الله علیه وآله) خاتم الأنبیاء؟ وتتضح الاجابة على هذا السؤال من خلال التفات إلى هذه النقطة وهى أنّ الله أنزل آخر أوامره وأحکامه وأکمل قوانینه وتعالیمه على نبی الإسلام، فکانت شریعته أکمل الشرائع وأشملها، بحیث یمکن للبشریة برمتها أن تحتذیها فی مسیرتها إلى السعادة والفلاح، ولا سیما أنّ نسل الأوصیاء(علیه السلام)الامتداد الحقیقی للنبی(صلى الله علیه وآله)ماثل إلى یوم القیامة، ومن أراد المزید فلیراجع المجلد الثامن من کتاب نفحات القرآن بحث الخاتمیة.


1. «جبلة» بمعنى الطبیعة و الفطرة الإنسانیة (وقد اشتقت هذه الکلمة من مادة «جبل» حیث تابى هذه الفطرة التغییر).
2. «أوعز» من مادة «وعز» على وزن وعظ اقتراح عمل على آخر.
3. سورة طه/115.
4. سورة البقرة/35.
5. للوقوف على تفاصیل هذا الموضوع راجع کتاب «معرفة الله».
6. سورة الاعراف/22.
7. «أهبط» من مادة «هبوط» النزول.
8. سورة هود/61.
9. «قرن» الزمان الطویل الذی قد یمتد إلى مئة عام، کما یطلق على الجماعة التی تعیش مع بعضها فی عصر.
10. «مقطع» النهایة.
11. «عذره» و«نذره»، «العذر» هنا اتمام الحجة على العباد بحیث لایبقى لهم عذرا للمخالفة، و«النذر» جمع النذیر بمعنى الانذار، ذکر العواقب السیئة للشئی.
12. جملة «لیقیم الحجة به على عباده» «فی حالة عود الضمیر «به» على آدم(علیه السلام) أیضاً یمثل دلیلا آخراً على نبوة آدم(علیه السلام).
و تعبیر «عباده» یشیر إلى حواء و أولاد آدم، بالاضافة إلى مصیر آدم و زوجته بعد الخروج من الجنة بعد ارتکاب الخطأ، و هى حجة على بنی آدم کافة إلى یوم القیامة. 
القسم العشرونالقسم الحادی والعشرون
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma